الانتخابات التركية 2023 معركة حافلة بالتحديات…
} بتول قصير
لا شكّ في أنّ تصدّر حزب العدالة والتنمية مقاعد البرلمان من شأنه أن ينعكس على الاستحقاق الرئاسي في جولة الإعادة التي ستُجرى في 28 أيار/ مايو، مع ترجيحات بإعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً لولاية جديدة.
للمرة الأولى في تاريخها تتجه تركيا نحو جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، في أعقاب جولة أولى فلا رجب طيب أردوغان، ولا منافسه كمال كليجدار أوغلو تمكنا من تجاوز عقبة الـ 50 % المتنازع عليها في إحصائيات النتائج النهائية.
فالانتخابات الرئاسية والنيابية التركية التي تكتسب أهمية خاصة هذه المرة نظراً للأهمية التاريخية لليوم الذي اختاره الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لإجرائها وهو 14 مايو/ أيار، إذ يصادف ذكرى أول انتخابات متعدّدة الأحزاب في تاريخ تركيا والتي أدّت الى صعود الحزب الديمقراطي للحكم بعد فوزه في تلك الانتخابات بقيادة عدنان مندريس عام 1950، لتنتهي بذلك حقبة استمرت 27 سنة من حكم حزب الشعب الجمهوري الذي تفرّد بالسلطة طوال تلك المدة والذي كان تأسيسه على يد أتاتورك.
بالإضافة الى أنّ هذه الانتخابات تأتي مع إتمام أردوغان عامه العشرين في السلطة، وسط تضخم اقتصادي ونزاع حول السياسية الخارجية لأنقرة، وإثر الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/ شباط الماضي وأوْدى بحياة أكثر من 50 ألف شخص.
يسعى أردوغان، الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، لولاية ثالثة كرئيس، بوجه ممثل المعارضة السداسية كليتجدار اوغلو، بحيث بنت المعارضة تحالفاتها بتشكيل طاولة من 6 أحزاب أطلق عليها اسم “الطاولة السداسية”، وهو امتداد لتحالف الأمة المعارض، بالإضافة للاتفاق مع حزب الشعوب الديمقراطية ذي الأغلبية الكردية. ويهدف تكتل “الطاولة السداسية” أولاً للإطاحة بالرئيس أردوغان، وثانياً للعودة بالبلاد من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني ورفع شعار النظام البرلماني المعزز. ما يعني انّ أردوغان أمام معركة انتخابية محتدمة وتكاد تكون الأشرس في تاريخ تركيا الحديث.
ومع ذلك فإنّ الأخير لا يزال أحد السياسيين الأكثر شعبية في تركيا في دولة شديدة الاستقطاب. وهذا ما أكدته معظم استطلاعات الرأي وخاصة المستقلة منها، بحيث أثبت الرئيس أردوغان أنه ما زال الأقوى، ليس فقط سياسياً، بل اجتماعياً ونفسياً في الشارع الشعبي التركي، خاصة أنّ أردوغان هو من عائلة وخلفية متواضعة، لكنه كان عصامياً وبنى نفسه بنفسه وتحوّل إلى زعيم سياسي، بالإضافة الى الكاريزما التي تحيطه، وهو مؤثر بمختلف أطياف المجتمع التركي ومجتمعات أخرى. وكلّ هذا يكسبه نقاط قوة في مواجهة خصومه.
هذه الإضافات يفتقدها المرشح الخصم كمال كليجدار أوغلو، كما أنه ليس من الشخصيات المحبوبة لدى فئة كبيرة من الشعب التركي، بل أنها شخصية لم تتمكّن من النجاح، مع العلم أنه ينتمي إلى حزب عريق وهو أقدم حزب ومؤسّسه هو أب الأتراك الراحل أتاتورك ولديه جمهور نخبوي من الأتراك العلمانيين.زد على ذلك فإنه يواجه تهمة وجهها اليه أردوغان انه ورفاق دربه بالتحالف مع الشاذين جنسياً، فقد كان أيضاً أحد العوامل التي أثرت في قطاع مهمّ من المتديّنين.
وأياً كانت النتائج المحتملة للجولة الثانية من الانتخابات، والتي ترجح كفة أردوغان، فقد بات واضحاً انّ الرجل ومن معه من القوميين والإسلاميين سيستمرّون في مساعيهم للتخلص من إرث أتاتورك العلماني، بعد أن نجحوا في استفتاء 2017 في السيطرة على جميع مؤسّسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمّها الجيش والأمن والمخابرات والقضاء، والأهمّ من كلّ ذلك الإعلام المرئي الذي يسيطر أردوغان على 95% منه.
وربطاً بالسيناريوات المحتملة، فإنّ حظوظ الرئيس أردوغان للفوز بولاية ثالثة كبيرة، هذا اذا ما اعتمدنا على شخصية أردوغان الأكثر نفوذاً وقوة وكاريزما من بين الشخصيات المرشحة، أيضاً المواطن التركي يتمتع بخدمات اجتماعية صحية تعليمية وضمانات شيخوخة وغيرها وهذا حصل في عهد أردوغان، وبالتالي يخاف أن يخسر هذه الامتيازات. كما أنّ أردوغان تمكّن مع حملته من تحويل الدعم الأوروبي ـ الأميركي الذي حظيت به المعارضة بقيادة كليجدار أوغلو إلى نقطة ضعف حيث أبرز ارتباط المعارضة بأوروبا وأميركا واتهمهم بأنهم ينفذون أجندة الغرب ويريدون إفقاد تركيا استقلالها الوطني، وساعدت في ذلك الصحافة الأوروبية والأميركية حيث أعلنت مجلات وصحف ألمانية وبريطانية وفرنسية وأميركية مساندتها الصريحة للمعارضة التركية وتمنّيها سقوط أردوغان وحزبه.