هشام شربتجي إبداع استثنائي لا يلغيه الغياب
عبير حمدان
حين تلامس الدراما بكافة أشكالها وجدان الناس وتحفر شخوصها في البال لتصبح مادة لتشكيل الحوارات بطريقة تلقائية، فهذا يعني أن الإبداع حالة استثنائية تؤسس لزمن متواصل لا يلغيه الغياب.
يسمّونه «شيخ الكار»، يعرفه الجميع حتى الباحثون عن الأمل والساعون الى الحياة بتعب، كيف لا وهو الذي نقل إيقاع الوجوه المثقلة بالأمنيات بإطار كوميدي جارح إلى حد الصفع علّنا ندرك عللنا، بين تفاصيل سلسلة العائلة التي بلغت نجومها الثمانية، أدركنا ما أراده المبدع هشام شربتجي ووضعه في قالب ضاحك ربما سعياً منه لتبسيط الواقع الذي يكرّس مشروع «يوميات مدير عام» ودهاليز الفساد ثم يحمل سيف البطولة من خلال «بطل من هذا الزمان»، رغم أنه يعلم أنها «نايحة»، لكنه ظنّ أنه قد يحفزنا على تحمل النكبات المتتالية ومواصلة النضال في وجه تراكم الويلات.
البارع حد التميز كان صوت الناس العاديين. يمكن الجزم أن أعماله لم تحتج إلى موقع تصوير محدد فهي بدت وكأنها كاميرا الواقع المقيمة بهدوء في كل جزء من المكان والزمان، ورسم خطوط الوجع بأسلوبه الساخر في آخر أعماله «أزمة عائلية» ليسكن الوطن بين جدران كل بيت بكل تناقضاته.
لعل أنين البلاد قادر على إنهاك القلوب المثقلة بالحكايات والصور، فيصبح الرحيل عادة نألفها مع الوقت ولو قيّدنا بالحزن، والحزن لا يتطلب أن تربطنا معرفة مباشرة بالراحلين؛ يكفي أن نعرفهم من مشاهد ترسخت مادة حياتية حاضرة على الدوام في مواجهة الاستهلاك السائد تحثنا على رفع الصوت ومتابعة البحث عن أثر مغمور في الروح قادر على إبصار النور وتحويل «النواح» إلى «فرح» بأن هذه الأرض باقية، كما أحبها أبناؤها المبدعون.