سورية مفتاح حماية الأمن العربي
} ربا يوسف شاهين*
في ظلّ اندلاع ما سُمي بالربيع العربي منذ 2011، شهدت المنطقة العربية تحوّلات سياسية وجيوسياسية عميقة. فما بين التباعد السياسي بين القوى السياسية العربية، نتيجة وقائع فرضتها الحرب الإرهابية على سورية، سواء لجهة أنّ تلك القوى أخذت قرار المراقبة لترى ما ستؤول إليه هذه الحرب، أو سواء قامت بعض الدول بتنفيذ قرار عزل سورية عن محور العمل العربي المشترك، مخافة توجهات الغرب الأميركي، وإمكانية تعرّضها لعقوبات إذا ما قامت بالتنفيذ لقرارات الدول التي أنتجت وشاركت في هذه الحرب الإرهابية، فتمّ تعليق عضوية سورية في تشرين الثاني 2011.
جاء الزلزال في 6 شباط 2023 ليكون سبباً لعودة بعض الدول التي كانت لها علاقات صعبة مع سورية، لتحسين هذه العلاقات، مع دخول الحرب على سورية عامها الثالث عشر في ظلّ ظروف أنتهجتها الحرب الإرهابية، وأضاف عليها الزلزال مؤخراً معاناة اقتصادية ومعيشية جديدة.
فكان للمحادثات التي جرت في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، الأثر في تحريك هذا التوجه العربي نحو دمشق، خاصة بعد التقارب السعودي الإيراني، لا سيما أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُعتبر من أهمّ الحلفاء والأصدقاء الفاعلين في سورية خلال الحرب الإرهابية عليها، فكان لاجتماع وزراء خارجية سورية ومصر والعراق والسعودية والأردن في العاصمة الأردنية عمّان، لمناقشة كيفية تطبيع العلاقات مع سورية، وما نتج عن هذا اللقاء من نقاشات حول سبل العودة الطوعية لملايين النازحين السوريين، وتنسيق الجهود لتحقيق الأمن الحدودي بين الدول المجاورة لسورية كالأردن وخاصة مكافحة المخدرات عبر الحدود.
فالعمل العربي المشترك الذي أُبعدت سورية عنه لوحظ وخلال سنوات التباعد من قبل بعض الدول التي أعادت سياساتها إلى المسار الصحيح، والتي منها الدولة السعودية، وهذا لم يأت إلا نتيجة الانتصار الكبير الذي حققته القيادة السورية، كنهج سياسي وعسكري اتبعته سورية مع حلفائها الإيراني والروسي، خاصة أنّ مثل هذه القرارات السياسية الكبيرة لا تأتي بدون دراسة خاصة فما أخذته الحرب على سورية، وهذا كفيل لأن يتمّ الخروج من قبل الدول التي حيّدت نفسها، أو التي ساهمت في الحرب الإرهابية ولو لوجستياً.
فكرة العودة أو التوجه إلى دمشق لا تُقاس بالحضور وفق اجتماعات سياسية عالية المستوى فقط، وقد لا تُفضي إلى ما تطالب به الدولة السورية، لذلك يبقى الرهان على الحلفاء المتمسّكين قولاً وعملاً بسورية، وقاموا بواجبهم تجاه سورية المحور العربي الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وها هي زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سورية والوفد المرافق، دليل على أنّ العلاقات السياسية الحقيقية والتي تقوم على المصالح المشتركة والطبيعية، تُبنى لتحقيق الأمن العربي والإقليمي المنشود، رغم مشهدية الحروب المتكاثفة التي أوردتها الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها من الغرب، لتقويض الاتحاد العربي والإقليمي المشترك، والذي يعدّ بالنسبة للغرب مشكلة حقيقية إنْ تمّ بالشكل الذي لا يريدونه.
مسألة الأمن القومي العربي حتى في هذه الجزئية تحاول قوى الغرب أن تكون الرافعة له لتقويضه، وفق متطلبات بقاء أمن الكيان الصهيوني في المنطقة، ومن هذا المنطلق سورية وإنْ اتجهت نحو هذا العمل العربي المشترك، وإمكانية عودتها إلى الجامعة العربية، لن يتمّ ذلك سوى وفق شروط هي توافق عليها تخدم الأصول الأساسية للعلاقات الدولية والإقليمية والعربية في كلّ مكان ومع أيّ ظرف، وإنْ كان سيكلف سورية مزيداً من الوقت حتى عودة المنطقة العربية والإقليمية والدولية إلى الاستقرار الحقيقي والمطلوب، لتحقيق الأمن القومي العربي المشترك وإمكانية تحقيق حياة كريمة للشعوب الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط.
*كاتبة وإعلامية سورية