هل هي قمة الأسد أم قمة زيلينسكي؟ نعم صفقنا له وقوقاً في البدء والختام!
ناصر قنديل
أثارت دعوة السعودية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الى القمة العربية، كثيراً من التساؤلات وصولاً الى حد قيام البعض بمراجعة ما سبق وقالوه عن أن القمة هي قمة الرئيس السوري بشار الأسد بامتياز سواء مدحاً أو ذماً، وربما ذهب البعض أبعد من ذلك بالقول إن السعودية أعادت تأكيد تموضعها في المعسكر الأميركي، وأن حضور الرئيس السوري كان ثمناً أدته السعودية لتمرير دعوة الرئيس الأوكراني، والبعض ارتضى الوقوف في الوسط للقول إن هذه مقابل تلك، واحدة رسالة ود لمعسكر الشرق الصاعد، وواحدة تأكيد الانتماء لمعسكر الغرب السائد، أو البائد، فكيف يمكن أن نقرأ ولا نقع بتغليب الرغبات والتمنيات على الوقائع، أو تغليب الأدلجة والتعليب على السياسة الحقيقية؟
هوية القمة وموقع السعودية المحوري فيها، يتضمنه الجواب على أسئلة من نوع، هل كانت القمة لتبني صفقة القرن أم لإعلان دفنها، هل ورد على لسان أي مشارك حديث عن مسار التطبيع، أم أن الكلام عن فلسطين عاد الى ثوابت قمة بيروت التي دفنها أصحابها وسائر النظام العربي الرسمي بعد غزو العراق عام 2003 لصالح مسار رسمته حرب تموز 2006 وحروب غزة وصولاً الى صفقة القرن والتطبيع، وما يجري الآن كما تضمنت الكلمات والبيان الختامي هو المسار المعاكس؟ هل كانت القمة منبراً للتحريض على اعتبار إيران العدو ومصدر الخطر أم لطي صفحة الخلاف مع إيران واعتبار العدوانية الاسرائيلية سبباً للقلق ومصدراً للخطر، وهل كانت القمة منصة للترويج للجماعات المسلحة التي تنازع الدولة السورية سيادتها، كما كانت الحال لأكثر من عقد مضى، أم كانت لإعلان نهاية زمن الميليشيات والاحتلالات، ودعوة لدعم الدولة السورية وسيادتها ووحدة أراضيها، وهل كانت القمة منصة للتحريض على قوى المقاومة ووصفها بالإرهاب أم للدعوة للتمييز بينها وبين الإرهاب؟ وكل الأجوبة تحدد هوية القمة بصفتها قمة الأسد، أي تبني خطاب هو بالأصل خطابه، وليست قمة زيلينسكي، كممثل للمعسكر الذي كانت القمم العربية تصطف تحت لوائه، حتى في المسألة الأوكرانية يقف الخطاب السعودي تحت عنوان الوساطة، وليس بسيطاً ولا عابراً أن بيان القمة لم يتضمن شيئاً عن الحرب الأوكرانية، وأن السعودية عندما تحدثت عنها تحدثت بلغة الوساطة لا الاصطفاف، ولعله مدعاة للتساؤل عن معنى أن الرسالتين اللتين وصلتا الى القمة من رؤساء دول غير مشاركة كانت من الرئيسين الروسي والصيني، وهما المعنيان بمسعى الوساطة الذي تريده السعودية في حرب أوكرانيا، والكلمات والرسائل هي أمور يتم ترتيبها بروتوكولياً من رئاسة القمة قبل موعدها، ولافت غياب وجود رسالة من أي رئيس غربي، ولعل السعودية اشترت عبر هذه الدعوة لزيلينسكي مقعداً في الوساطة برضا روسي صيني، كما اشترت لعبة الإثارة في الاعلام الغربي، وفرضت ارتباكاً غربياً في توصيف كيفية التعامل دبلوماسياً وإعلامياً مع القمة، التي تبقى بامتياز قمة الأسد.
مخطئ من يعتقد أن الحديث عن الدور السعودي يمكن أن يتم تحت باب السؤال عن تحول بحجم التموضع على خط انتقال جذري من المعسكر الذي تقوده واشنطن الى المعسكر المناوئ لها، دولياً أو إقليمياً، فهذا لم يحدث ولن يحدث، وما نتحدث عنه، هو طي صفحة عشر سنوات كانت المؤسسة العربية خلالها أداة لتنفيذ المشروع الأميركي بقيادة سعودية، أنفقت خلالها مبالغ طائلة، ونظم خلالها توزيع وتعبئة عشرات الآلاف من التكفيريين الإرهابيين عاثوا قتلاً وخراباً على المساحة العربية، وصولاً لوضع المنطقة على شفا حرب مذهبية لا تبقي ولا تذر، تحت عنوان العداء لإيران وتجاوز المحظورات في هذه الحرب، وتلقى خلالها كيان الاحتلال جرعات دعم معنوي وسياسي لم يكن يحلم بمثلها، ما زاده عدوانية واندفاعاً نحو المزيد من إدارة الظهر لكل الحقوق الفلسطينية، وما يجري اليوم عربياً وسعودياً هو إعادة تموضع على خط الوسط بين الخطوط الدولية القديمة والجديدة، أي بين معسكري الغرب والشرق، وإقليمياً على خط التسويات والمصالحات مع قوى ودول معسكر المقاومة بعد عقد من الحرب المعلنة على محور المقاومة، ولم يكن الموقف من سورية في الحالتين إلا تعبيراً عن كيفية التعامل مع قلعة هذا المحور دولياً وإقليمياً.
هي قمة الأسد بامتياز، في الخيارات العربية الجديدة لملاقاته على الحد الأدنى من خياراته، لكنها قمة الأسد بامتياز أكثر في أدائه الشخصي، فهذا هو الأسد الذي نعرفه، لا يترك مجالاً للانطباع الخطأ بأنه يتلقى مكرمة، أو أنه يشارك في حفلة تبويس لحى، ولأنه الأسد خصص من يلزم من ثعالب الموقف العربي برسائل واضحة، فقال لمن رحّب بما وصفه بعودة سورية الى الحضن العربي، من موقع الأمانة العامة للجامعة، «سورية ماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة، لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان، فالأحضان عابرة أما الانتماء فدائم، وربما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، لكنه لا يغير انتماءه، أما من يغيّره فهو من دون انتماء من الأساس، ومن يقع في القلب لا يقبع في الحضن، وسورية قلب العروبة وفي قلبها». داعيا الجامعة لأن تكون «متنفسًاً في حالة الحصار لا شريك له»، «ملجأ من العدوان لا منصة له»، و»استعادة الجامعة لدورها كمرمم للجروح لا معمق لها»، وحدد مصدر المخاطر على الوضع العربي بأربعة، «جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربيًا بحق الشعب الفلسطيني المقاوم»، و»خطر الفكر العثمانيّ التوسعيّ المطعم بنكهة اخوانية منحرفة»، و»لا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية»، و»مواجهة الذوبان القادم لليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرده من أخلاقه وهويته»، راسما أفقاً للعمل العربي على أساس استثمار «فرصة تبدل الوضع الدولي الذي يتبدى بعالم متعدد الأقطاب كنتيجة لهيمنة الغرب المجرد من المبادئ والأخلاق والأصدقاء والشركاء.. هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي، وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزًءًاً فاعلًاً فيه».
لم يتغير شيء في ما أحسسناه قبل القمة وبعدها، فتفاعلنا بقلوبنا وعقولنا، وصفقنا للأسد وقوفاً عند بدء كلمته وختامها.