بين القمة العربية وقمم سورية بين العرب… تهديد أميركي
} رنا العفيف
قمة عربية بكلّ المقاييس السياسية، تتحدث عن تبدّل في المكان والزمان، والاستراتيجيات إضافة للسياسات الجديدة التي تتخذ أبرز خطواتها في المنطقة والإقليم، بعد أن خطف الأضواء حضور الرئيس السوري بشار الأسد لهذه القمة التي عنونت بانتصار سورية على الغرب وفي مقدّمه الولايات المتحدة الأميركية التي شرعنت قانون مكافحة التطبيع مع سورية فهل يكبح التهديد الأميركي جماح اندفاع العرب نحو دمشق؟
طبعاً تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على كلّ الدول التي تريد التقارب مع دمشق، لماذا؟ لمنع سورية وشعبها من العودة إلى ما كانت عليه في السابق، أيّ إلى الوضع الطبيعي، خاصة أنّ أميركا فرضت عقوباتها القسرية الأحادية الجانب والغير شرعية لإخضاع سورية وإضعافها لأنها تدرك أنّ قوة سورية وشعبها هي وليد صلابة الأمة…
كانت الولايات المتحدة دائماً تتوقع حالة الضعف والانكسار وتتوهّم بأنّ سورية غير قادرة على مواجهتها، ولكن رأت عكس ما كانت تتوقع، لا سيما الدور الروسي الذي عزز وجوده في سياق الحرب التي شنّها الغرب على سورية والذي يأمل اليوم أن تضعف روسيا لأسباب سياسية تتعلق بالتوازن الجيوسياسي في المنطقة، وتحديداً غرب آسيا لما فيه من تبعات، وبالتالي خسارة الرئيس الأميركي في سورية ليست بالأمر السهل ويجب أن لا يُستهان بها؟ لأنّ المعنى السياسي لهذه الخسارة عنونتها صحيفة أميركية بقولها بايدن يخسر أكبر معركة له في سورية، أيضاً كانت قد عنونت مجلة «نيوزويك» الأميركية تراجع واشنطن أمام الاندفاعات العربية نحو سورية، فكان ردّ الفعل كبيراً لدى بايدن حتى مضى قدماً نحو مشاريع القوانين يتوعّد بالعقوبات لكلّ من يعيد العلاقات مع سورية رافعاً بيده البطاقة الحمراء كنوع من التهديد والوعيد، مقابل الغمز واللمز في حقبة الاتحاد الأوروبي لممارسة سياسة الضغوط على الدول العربية؟ وهنا ربما يستوجب طرح السؤال التالي هل ينجح الغرب في عرقلة التقارب السوري العربي؟
بكلّ تأكيد نترقب كسب المرحلة المقبلة في ظلّ ما جاء في «القانون الواشنطني» الذي يمنع الدول العربية من التعامل مع الحكومة السورية، وتسعى لتوسيع نطاق قيصر، ربما هذا ليس بجديد، وإنما الجديد هنا هو مراد الولايات المتحدة من العبارات التي تحاكي القانون ضمن رسائل موجهة لتلك الدول العربية التي تخلت عن سياسة الولايات المتحدة، في مقابل ذلك كانت لهذه القمة رسائل ردعية للداخل الأميركي، فشرعنت مباشرة بذلك قانون مكافحة تطبيع العلاقات مع سورية إذ يتضمّن بنود بمنع واشنطن من استئناف علاقاتها مع دمشق في ظلّ وجود الحكومة، إضافة إلى بنود أخرى أبرزها توسيع نطاق قانون قيصر وتمديده حتى عام ٢٠٣٢، كما يتضمّن القانون أن تستخدم الولايات كلّ صلاحيات المتاحة لها بموجب القانون لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية.
هذا يعني أنّ سورية ستواجه ضغوطات سياسية من قبل الولايات المتحدة، وحتى اللآن لا يُعتقد بأنّ الدول العربية التي رحبت بعودة سورية ستخضع لهذا التهديد بعد أن أدركت صوابية خيار العمل العربي المشترك بعيداً عن أيّ تدخل خارجي هذا من جانب،
أما الجانب الآخر فإنّ الأميركيين أنفسهم يعلمون أنّ أهدافهم في سورية جميعها فشلت خاصة في ظلّ الدور الكبير الذي لعبته كلّ من إيران ورورسيا تجاه المساعي الجيوسياسية الأميركية في المنطقة، والآن يحاولون أن يمارسوا سياسة التهديد للبلدان العربية التي تحاول التقارب من سورية لأنّ هذا ليس لمصلحة واشنطن، أيّ أنّ هذا التقارب يمثل خطوة تليها خطوات وقمم أخرى تعزز قوة سورية اقتصادياً، خاصة بعدما تتبلور نتائج هذه القمة سوف تصبح سورية أكثر قوة، وربما ستواجه الهيمنة الأميركية بكلّ صلابة، لا سيما أنّ هذه البلدان تحمل في حقيبتها السياسية تجاه سورية عناوين بارزة في السياسية والاقتصاد والاستثمار والى ما هنالك من مجالات شتى متبادلة بينها وبين الحكومة السورية لتعزيز المصالح المشتركة، وربما لا يمكن أن تتراجع بعلاقاتها مع سورية لأهداف اقتصادية، وبالتالي سوف تحاول الولايات المتحدة عرقلة التقارب العربي لتصدير أزماتها المالية والاقتصادية إلى الخارج منتهكة بذلك القوانين الدولية لحماية وتعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط وحول العالم، بعد أن رأى العالم تراجعاً كبيراً في النفوذ الأميركي في المنطقة وتبدّل أحوالهم من خلال النظام العالمي الذي يتمّ بناؤه…
على واشنطن أن تفهم أنّ رسائل قانون مكافحة تطبيع العلاقات مع دمشق لا تساوي الحبر الذي كتبت به عند سورية وحلفائها، وعليها أن تتذكر الدور الروسي والإيراني والصيني ودور المقاومة، فهم خارج دائرة الجامعة العربية، وأن تتذكر أنّ لمّ الشمل العربي بات مؤكداً لأنّ مصلحة العرب بعودتهم إلى سورية أكبر بكثير من استرضاء أميركا…