لا إنجاز لا ردع ولا تطويع…
} ميرنا لحود
الاستشهاد يؤلم لكنَّه لم يسحق الجهاد الإسلامي؛ وسياسة المباغتة والاستفراد تصدم لكنَّها لم تحبط ولم تثنِ الجهاد. رسالة الجهاد الإسلامي تتلخص بعبارة واضحة: التحرير من النهر إلى البحر. يحاول الكيان الصهيوني بين فترة وأخرى تغيير موازين القوى للوضع القائم تجاه المقاومة الفلسطينية أو محور المقاومة لكنه لم يفلح لأنه ببساطة واقع في خانة العجز. والدليل على ذلك هو سياسة الاغتيالات الممنهَجة ضدّ عناصر الجهاد الإسلامي وعوائلهم وضدّ غزة المحاصرة والشعب الفلسطيني وضدّ كلّ من يرفع الراية الفلسطينية. «الكيان المؤقت والغاصب وبيت العنكبوت» صورة أصبحت تتكشف أكثر فأكثر. العنف هو لغة العاجز والضعيف دائماً يلجأ إلى التدمير ويزرع الفتن والرعب ويجنّد عملاء، ويذهب إلى ثقافة التفريق وإيقاع الشرخ. الصهيوني يُفصّل ويُخيط ليظفر بعملية من هنا وجولة من هناك علَّه يسجّل موفقاً يرفع من شأنه الداخلي المتأزّم والخارجي المشوَّه.
تكتيكات وجولات عسكرية بأهدافٍ دون أفق
مهما ارتفع الصراخ والعويل والمدح والتهديد لدى حكومة «المجانين والفاسدين» فهي فقاعات إعلامية وبعيدة عن الحقيقة والواقع. ما يعني أنَّه لا يُبنى عليه. بات معروفاً أنَّ الكذب والتضليل هما ثقافة ثابتة لدى الصهاينة وتعرفه جيداً المقاومة، لذا لن تتأثر بها. وقوة الأخيرة تكمن في التقديرات والحسابات العلنية والمبطَّنة ودرس المواقف وتقييمها. فالإمكانيات مختلفة بين فصيل وآخر والقدرات متفاوتة، لذا لن ينجرّ الجهاد الإسلامي إلى حيثما يريد الصهيوني. وكان ذلك واضحاً من خلال الأداء المتقن للجهاد في إدارة المعركة والعمل على الخروج من الأخيرة بعزم أكبر ليُحتسب له ألف حساب للجولات المقبلة. يعلم الجميع أنّ الكيان لا يحترم الاتفاقيات ولا قانوناً دولياً ولا أيّ مبادئ إنسانية أو أخلاقية. وحتماً ستكون جولات مقبلة للكيان لكن بأي إخراجٍ؟ هذا ما سيقوله لنا المستقبل.
عادةً العمليات العسكرية تهدف إلى: إمّا الحفاظ على الوضع القائم وإمّا تغيير جذري. والتغيير له مخاطره وخسائره ومدةٌ زمنية طويلة. فالوضع الداخلي لا يسمح للكيان بأن يخوض معركةً على نطاق واسع لأنّ النتائج غير مضمونةٍ. أما العمليات الخاطفة فهو قادرٌ على خوضها لكنَّه يواجه مقاومةً صلبة تستطيع المدافعة والاستمرار وإطالة مدة المعركة بحيث لا يعرف الكيان كيف تنتهي الجولة ومتى يخرج من ورطتها. إذاً أيّ معركة أو جولة هي محفوفة بالمخاطر. لكن حكومة «المجانين والفاسدين» تخطئ الحسابات وتُقدم على القتل بدم باردٍ وتختار ما تعتبره بمتناولها. ما يؤكد على ذلك كلام الإعلام الداخلي للصهاينة، عند تقييم حكومة «المجانين والفاسدين» عن تفادي المشكلة مع حماس. لكن في المحصلة انتهت الجولة بشروط الجهاد الإسلامي وبعباراتهم وبتوقيتهم وهذا إنجاز بحد ذاته وردع قائمٌ.
«ثأر الأحرار»
اعتاد الصهيوني في كلّ سنة على افتعال جولة أو معركة ضدّ الفصائل الفلسطينية؛ لكنْ بعد معركة «سيف القدس» أصبحت الجولات بمثابة غيمة سوداء فوق المَسيرات وخاصةً بما يُسمّى «مسيرة الأعلام». وتتخلل الأخيرة اعتداءات على المسجد الأقصى وباحاته وعلى كلّ من تواجد في المكان من الفلسطينيين. ومنذ معركة «سيف القدس» تتطلب المسيرة المذكورة جيشاً غفيراً ورجال أمن ومعهم القبة الحديدية في أجواء القدس الشريف. وبعد «ثأر الأحرار» تحوّلت المسيرة وببساطة إلى عرض عسكري مع جمهور ناطق بالشتائم وضيوف شرف من وزراء ونواب وحاخامات يصدعون بحناجر متفجّرة بأنّ القدس لهم وبأنهم أصحاب الأرض ويشتمون المقدسيين والفلسطينيين ويعتدون على من توفر وجوده. رغم التهويد والتهديد لن يتخلى المقدسيون عن القدس الشريف ولا عن الأقصى وهم باقون. فمن على الشرفات والنوافذ رُفعت الأعلام الفلسطينية تلبيةً لشعار «ارفع علمك». صحيح أنه قُمع أرضاً لكنه حلّق جواً في كثير من الأماكن وقدر المستطاع. علم مقابل علم، ومسيرة مقابل مسيرة والاستشهاد يفجر بأساً وشجاعة وتشبثاً بالأرض والتراث والمقاومة.
ختاماً: لتخليد ما يجب ألاّ ننساه من ذاكرة التاريخ لذكرى الـ ٧٥ للنكبة…
بتاريخ 14 مايو/ أيار 1948، قرّر البريطانيون إنهاء انتدابهم على فلسطين وفي اليوم نفسه أعلن الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية ديفيد بن غوريون «إقامة دولة إسرائيل». ففي 15 مايو/ أيار أعلن الفلسطينيون يوم نكبتهم فور دخول العصابات الصهيونية إلى أرض فلسطين بتواطؤ بريطاني وقد بدأت بتنفيذ مجازر بحق الفلسطينيين وترحيلهم وتهجيرهم من بيوتهم وممتلكاتهم. استولى الصهاينة على عدد كبيرٍ من المدن والقرى الفلسطينية وهجّروا أكثر من 900 ألف فلسطيني من أصل مليون وأربعمائة ألف من السكان الأصليين. جرى تطهيرٌ عرقيٌ وتهجيرٌ قسري في كافة مناطق الضفة والقدس.
منذ ذلك الحين يواجه الفلسطينيون ويتصدّون لكلّ عمليات التهويد والتدمير لمعالمهم وممتلكاتهم. يعمل الصهاينة على طمس حضارة ومحو هوية الفلسطينيين وتاريخهم وتشويه نضالهم ويُخضع الكيان المؤقت كلّ شيء لقوانينه المجحفة بحق كلّ ما هو تراث للشعب الفلسطيني.