أهمية عودة سورية إلى الجامعة العربية
} المحامي أسامة العرب
إنّ صمود سورية التاريخي ولد طاقة إيجابية هائلة من أجل استقطابها لنهضة عربية شاملة، لا سيما بعد إبرام المصالحة السُّعُودية الإيرانية، والتقارب السعودي الصيني الروسي. ولذلك يأتي التطبيع العربي والخليجي مع سورية، وحضور الرئيس السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، ليؤكد أهمية انتصار سورية بالنسبة للعرب، وقناعة هؤلاء بضرورة رعاية المصالحات وإعادة النازحين السورين إلى بلادهم، إثر فشل الولايات المتحدة الأميركية بمحاولات تفجير الصراعات الطائفية في المنطقة، مما خلّف آثاراً دامية وسلبية، على كلّ أبناء الأمة العربية.
ولا يُخفى على أحد أنّ سورية عاصمة وقلب العروبة النابض، وتقاربها مع السعودية له وقع هام، بإعادة الألق للوحدة العربية والتكامل الاقتصادي العربي، الذي سيصبح أكثر اتساعاً في الأيام المقبلة.
والسؤال المحوري كيف سنوظّف هذه الطاقة الهائلة لتصبح نموذجاً يُحتذى به لتحقيق نهضة عربية شاملة، وإنهاء الصراعات في الدول العربية كافة، لضمان مصلحة العرب باتخاذ مسار يصبّ في مصلحة كلّ من سورية والسعودية ومحيطهما العربي. وانطلاقة النفوذ العربي حرّكت منذ نهاية الاستعمار، خوف الشعوب الأخرى، لا سيما أنها أنجزت قفزات اجتماعية واقتصادية هائلة، واستمرّت بالنجاح رغم محاولات الغرب إجهاض مساعيهم، ولا شك أنّ السعودية وسورية اليوم تقاومان الاستعمار الغربي الذي كانت له تداعيات سلبية على مكانة العرب في المنطقة.
ولا شك أنّ استقبال الرئيس السوري من أمير مكة له دلالات على مدى أهمية الدولتين لبعضهما البعض، خصوصاً أنهما يتعرّضان لضغوط غربية لإجهاض تقاربهما لا تقلّ ضراوتها عن محاولات إجهاض تقدّم أمتنا العربية وتفتيت طاقاتها الهائلة.
لم تغيّر أميركا بعد أهدافها في المنطقة، لذلك فمن المتوقع أن تحاول التأثير على مجريات الأمور ولكنها بكلّ تأكيد ستفشل، كما فشل بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق بعد احتلاله، من تحويل هذه الدولة العريقة إلى كانتونات طائفية ومذهبية، وإلغاء إرادة الشعب الواحد بعزل عناصره العروبية بناء على المبدأ الطائفي أو الإثني.
إنّ القضاء الغربي على الأمن القومي العربي قد فشل، وعلى كلّ الأطراف الفاعلة أن تعترف بذلك، ولن تتحقق مصالح الغرب بتفتيت أمتنا مهما سعت، ولن تقضي علينا مهما كرهت القومية العربية.
إنّ تمسك كلّ من الرئيس السوري بشار الأسد والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، بالقومية العربية هو من أسباب اشتداد الضغوط الغربية على دولتهم، وسعيها لإضعاف نظامهم بهدف الانقضاض على منطقتنا العربية دولة دولة، وعلى دورهم بتحقيق نهضة عربية واقتصاد عربي موحد، يحسب له شأن على الصعيد العالمي. لا سيما بعدما رفضت كلّ من سورية والسعودية الارتماء في أحضان أميركا، كونها تتناقض تماماً مع أيّ مشروع قومي عربي تحرري.
ولم تتوانَ الإدارة الأميركية عن السعي لتشويه صورة هؤلاء الرؤساء، وحصار نظامهم اقتصادياً، بل سعت لتعريض شعوبهم لأخطار لا مثيل لها، وإلى تغييب السيادة الوطنية لدولهم، ولكنها فشلت وها هي قمة العرب الحالية تؤكد ذلك، وتثبت أنّ الهيمنة الغربية قد سقطت وأنّ التعاون العربي العربي مستمر، وأنّ هؤلاء سيبنون نظاماً عربياً رائداً يحاكي الاتحاد الأوروبي، لا سيما أنهم يتكلمون لغة واحدة وتاريخهم مشترك ومصيرهم كذلك.
جدير بالذكر أنّ البعض سيحاول الانقضاض على مشروع الوحدة العربية والتقارب الخليجي السوري وعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، ولكن كلّ هذه المساعي الغربية المصدر ستفشل، والحقّ سيعود لأصحابه، ولن يقع العرب فريسة الدعايات والمقولات والمصطلحات المغرضة، ولن ينسى تاريخ (س ـ س)، وأهميته بالنسبة للبنان وسائر الدول العربية.
وكما لم ينجح كولن باول وزير الخارجية الأميركية الأسبق بالسيطرة على الشرق الأوسط وموارده، لن تنجح مساعي الغرب اليوم بإفشال القمة العربية ومقرراتها، وبمنع تعزيز المصالحات وإرساء الأنظمة الحرة في العالم العربي، المتفلتة من نير الاستعمار، ومجموعة بيلدربيرج، التي يترأسها هنري كسينجر بشكل ضمني، والذي لن يقوى على كسر شوكة العرب. كما أنّ اختراق مجتمعاتنا العربية من خلال شعارات براقة وجذابة، كحقوق الإنسان وحماية الأقليات قد سقط بعدما ثبت للمواطن العربي زَيف الليبراليين الجدد والذين يطلق عليهم تسمية المارينز، ورغبتهم باستعباد العرب، وسرقة ثرواتهم.
وختاماً، اللقاء السوري ـ السعودي برهن اليوم بأنّ مشروع جورج بوش الابن حول الشرق الأوسط الكبير قد ولى إلى غير رجعة، وبأنّ اختراق مجتمعاتنا من قبل المموّلين أجنبياً قد سقط، وأن العلاقات الحميمة بين سورية والسعودية ستعود من جديد، بل ستشارك الدولتان في دعم استقرار المنطقة وإعادة ألقها…