بعض النقاش الداخلي لمناورة المقاومة خارج النص
خرج بعض الساسة اللبنانيين ينتقدون مناورة المقاومة في جنوب لبنان، ويعتبرونها إطاحة بالأجواء العربية الجديدة التي أعقبت القمة العربية، مستندين الى قراءة سطحية لبيان القمة في فقرة تحدث فيها عن “الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”، وكان هذا على سبيل المثال ما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في اعتراضه على المناورة.
الأكيد أن جعجع ومن شاركه الرأي لم يقرأوا القرار الخاص بلبنان، الذي صدر عن القمة، والذي لا ينتمي إليه النص المقتبس من قبل هؤلاء، لأنه يحاكي أوضاع بلدان غير لبنان، خصوصاً الحال في سورية، حيث ورد هذا النص حرفياً، بينما تحدّث في الفقرة الخاصة عن لبنان عن ما يضع المناورة في قلب الاستجابة لما تفتح بابه المتغيرات التي تمثلها مرحلة ما بعد القمة العربية.
تقول الفقرة الثانية من قرار القمة العربية حول لبنان “التأكيد على أهمية التضامن الكامل مع لبنان، في ظل أشد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية يمر بها منذ عقود، ودعم حكومته ومؤسساته الدستورية كافة بما يحفظ الوحدة الوطنية اللبنانية وأمن واستقرار لبنان وسيادته على كامل أراضيه، وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة، والتأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي هي حق أقرّته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي”.
وتقول الفقرة الرابعة من قرار القمة العربية حول لبنان “دعم موقف لبنان في مطالبته المجتمع الدولي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 عبر وضع حد نهائي لانتهاكات “إسرائيل” البرية والبحرية والجوية الدائمة واعتداءاتها المستمرة، ودعم لبنان في تصديه ومقاومته لها وفي ممارسته لحقه المشروع في الدفاع عن النفس كما ومطالبته بتنفيذ القرارات التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول البقعة النفطية على الشواطئ اللبنانية والتي تلزم “إسرائيل” دفع تعويضات مالية عن الأضرار التي سببتها جراء قصفها محطّة الجيّة للطاقة الكهربائية في حرب يوليو/ تموز 2006”.
مناورة المقاومة تقول لهؤلاء وللكثيرين خارج لبنان، وفي مقدمتهم الأميركيون والإسرائيليون، إن زمناً عربياً جديداً يبدأ، تزول فيه الحروب الجانبية، وينتهي فيه الاستثمار على الفتن والحروب والإرهاب، وإنه في هذا الزمن يستعيد النص العربي بعض النبض الذي فقده لسنوات. فالمقاومة ليست إرهاباً، والمقاومة حق مشروع لتحرير ما تبقى من أرض تحت الاحتلال وواجب مقدس لرد العدوان، والمناورة تقول للعدو إن هذه المقاومة ليست حقاً نظرياً، ولا واجباً مبدئياً، بل هي حقيقة وحالة قائمة مستعدًة وجاهزة للمهمتين.
طبعا يخفّ منسوب العتب على القوات ومن مثلها عندما نقرأ تعليق رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي شارك في القمة، ويبدو أنه لم يقرأ نص القرار حول لبنان، الذي لا حاجة للنقاش بأنه لم يكن حصيلة جهد الحكومة اللبنانية، بل رسالة عربية للبنان وحول لبنان، لم يفهمها كثير من اللبنانيين، أو فهموها ويريدون تجاهلها عمداً، وإخفاءها عن عيون اللبنانيين، لكن المقاومة قرأت وفهمت وبنت رسالتها على ما قرأت وما فهمت، وما يستدعيه موقعها.
مشكلة البعض انهم يفقدون البصر اللازم لحسن القراءة والبصيرة اللازمة لفهم ما يقرأون، وفوق هذه وتلك الشجاعة اللازمة للاعتراف بأن رهانهم على الزمن الذي مضى، قد مضى معه أيضاً، وأصبح نقاشاً خارج النص.
التعليق السياسي