المعرفة قوة لنهضة لبنان…
} د. عليا علي ملحم
المعرفة قوة حقيقية ترتبط بنهضة المجتمع لجهة التعمّق بدراسته وتحديد مشكلاته ومن ثم تحديد أولوياته التنموية عبر استراتيجية واضحة للنهوض الاجتماعي والاقتصادي.
لذلك تعدّ المعرفة مجالاً خصباً للدراسة والبحث الاجتماعي، حيث جاء تعريف سوسيولوجيا المعرفة «بأنها ذلك الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس العلاقة بين المعرفة والإطار الاجتماعي، أيّ أنّ المجتمع هو مصدر المعرفة ومبحث الحقيقة».
أما في لبنان الذي وصل الى حافة الانهيار التامّ، على الدولة أن تعيد النظر بأهمية الإنتاج المعرفي، وأن تدرك أنّ المعرفة هي العامل الأكثر أهمية لبناء القدرات والانتقال من التخلف إلى التطور، والا ستجد نفسها على هامش التحوّلات التي تحصل في العالم العربي، بل وستكون المتضرّر الأكبر منها.
لذا لا بدّ من أن تتبنّى الدولة اللبنانية الساعية للتطوّر والخروج من الأزمات التي تتخبّط فيها سياسات لجعل العلم والمعرفة ضمن الخيارات المتقدّمة لديها. وبالتالي عليها أن تنطلق من رؤية معرفية تنموية تنحو منحىً شمولياً؛ حيث تنزع نحو بناء مجتمع تصبح فيه المعرفة محصّلة للجمع بين تقنيات المعلومات، والخبرة والقدرة على الحكم من أجل ترشيد الموارد، واستخدام الوسائل المتاحة في اتجاه بلوغ النهضة وتملك مكاسب التنمية الإنسانية. إذ يتسع مفهوم المعرفة المعتمد هنا ليشتمل على مجمل المخزون المعرفي والثقافي، من منظور كون المعرفة ناظماً رئيسياً لمجمل النشاطات الإنسانية التنموية. إنها ترمي إلى توسيع خيارات وفرص تقدّم المواطن اللبناني وتحقيق حريته وعيشه الكريم. وبذلك تصبح المعرفة اكتساباً وإنتاجاً وتوطيناً وتوظيفاً ـ أداةً وغاية للمجتمع ككلّ، تصل إلى جميع الشرائح على قدر المساواة، وبالنسبة لجميع المجالات المعرفية، بما فيها العلمية والفنية والثقافية والتراثية والخبرات المجتمعية المتراكمة.
وفي سياق الحديث عن المعرفة أيضاً، ينسب للفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون قوله انّ المعرفة بحدّ ذاتها قوة، في تعبير مجازي عن تأثير العلم والمعرفة في شتى مجالات الحياة، وتطوّر هذا القول او المفهوم ليختزل الى أنّ المعرفة قوة، وتمّ تداوله كحكمة عند الكتاب والسياسيين والعلماء وغيرهم، وبالنظر الى ما فعلته الأزمة المالية والاقتصادية باللبنانيين، الا أنهم وقفوا عاجزين عن المواجهة او إيجاد الحلول، وهنا يتضح لنا مدى عمق مقولة المعرفة هي القوة، فكلّ ما يلزم للبنانيين ان يفعلوه لمواجهة أزماتهم هو معرفة نقطة ضعف تطوّرهم ونهضة بلادهم التي تبدأ بالطائفية ولا تنتهي عند حدود التبعية.. وبالتالي محاربة الجهل بالمعرفة…
وهنا نعود الى مقولة المفكر أنطون سعاده بأنّ «المجتمع معرفة والمعرفة قوة»، والجهل هو أساس الضعف والتخلف.
فالجهل والضعف اللذين سادا المجتمع اللبناني هما نتيجة الحصار المفروض على المعرفة والمؤسسات الخاصة بالإنتاج المعرفي، وبالتالي نشر الجهل القائم على العصبيات الدينية والمذهبية والفئوية… الأمر الذي ساهم في تدمير لبنان على كلّ المستويات.
بناء على ما تقدّم، «تعتبر المعرفة القوة الناعمة لإنجاز القفزات النوعية في سلم الأمم، فهي رافعة للتقدّم والازدهار على أصعدة عدة. وبذلك، تتسابق الدول على إرساء الأسس المتينة لمجتمع المعرفة، المجتمع القادر على توظيف العلم لاتخاذ القرارات وتحقيق الغايات، عبر تعزيز الابتكار والإنتاج، والذي يحسن تطوير كفاءات الفاعل البشري، في سبيل التنمية الإنسانية الشاملة. إنه المجتمع الذي يشحذ القوة، ويملك كلّ المقومات لمواجهة العقبات الناجمة عن الإرث التاريخي والواقع الجغرافي».
لذلك، يجب تعزيز الثقافة المعرفية المجتمعية، والتأكيد على أنّ المعرفة هي قوة الانطلاق الى الحرية والإبداع وتحقيق المعجزات النهضوية. كلّ ذلك يبدأ بإصلاح قطاع التعليم والبحث العلمي في لبنان، لأنه يحتاج الى رؤية جديدة، تحسن جودة المنتج التعليمي، وتطور مواهب الإبداع والقيادة عند الطلاب، مع إتاحة الفرصة أمام الباحثين، لتطوير العمليات البحثية والدراسات الدقيقة التي تساعد الدولة على وضع استراتيجيات وسياسات علمية لنهضة لبنان.