شمعة التحرير الثالثة والعشرون… على إيقاع البارود والنار
عبير حمدان
نعود الى الجنوب حيث ينبت العشب بين مفاصل الروح لا بين الصخور وحسب، نعود إلى اللحظة التي حفرت في الوجدان القومي بيارق عزّ لا تُقارن ولا تتكرّر، نعود لنشعل شمعة التحرير الثالثة والعشرين على إيقاع البارود والنار والقسم بأننا قريباً عابرون الى فلسطين.
كلّ الشموع تضمحلّ إلا شمعة النصر المعمّد بجمر القلوب.. هنا على أرض الجنوب خطونا نحو السماء منذ ثلاثة وعشرين عاماً، كانت الريح مزنرة بأطيافهم، هم كتلك الأشجار المنتصبة لا يكسرها الضيم.. هم برق المواسم وزعتر الحقول وينابيع تتفتح بين تفاصيل الصخور، على هذه الأرض الجنوب سار القلب قبل الروح ومضى الحبر ليخط الخبر اليقين، إنه النصر المبين، كان إيقاع الحياة مختلفاً في تلك اللحظة التي عانق فيها الفجر صدى الخطى المتسارعة الى قلب الوطن… حينها بدا التاريخ منتصباً يتلمّس وجوده ويبحث عن وجوه العابرين كالطيف على مشارف القرى، 23 عاماً من عمر الريح ولم تزل نسائم الصبح المنبعثة من شقوق المنازل على امتداد الطريق الذي سلكته نحو الجنوب تلفح روحي… ورقة وقلم وعدسة ونبض مجبول بالشوق، كلّ ما تكتبه الأرض يمتزج بحبر الخبر… قد آن زمن الإنتصارات.
هنا أدركت كيف يلبس الشهداء بياض الغيم وكيف ينسكب القمر على وريقات الشجر وكيف نحيا برأسِ مرفوع ونقاوم… وسنبقى نقاوم.
بين الأمس واليوم لم يتبدّل الموقف ولم تنكسر الإرادة بل تضاعفت القوة وترسخ الإداء ودُكت كلّ الحصون الوهمية الواهنة قبيل نقطة العبور، إنه فعل الوجود الحقيقي الذي كرّسته المقاومة من البحر الى النهر، عند كلّ ركن وتلة وجبل ووادٍ.
تخذلنا اللغة أمام قدسية المكان فكّل ما خبرناه وتعلمناه لا يُقاس بما يختزنه التراب من قصص ومشاهد ودماء، قيل لنا إنه موقع عسكري حرّرته المقاومة، وقيل أيضاً إنّ الصمت أبلغ من أيّ نص او خطاب أو بيان، فدخلناه بسلام نحاول إيجاد إجابات على الكثير من التساؤلات، كيف كانوا وكيف ساروا وكيف رتلوا الآيات، وكيف أشعلوا الأرض وزلزلوا ودحروا المحتلّ؟؟
قد لا تكفي كثافة عدسات التصوير لتوثيق ما تتلقفه العين من وجوه نشعر بأنها مألوفة لرجال أتقنوا عزف لحن الصمود واتحدوا مع الأرض ومنهم من أنغرس فيها ومنهم من ينتظر، ومنهم من رسم درب التصدّي متعالياً على الجراح.
بعيداً عن الخبر الذي شغل كافة وسائل الإعلام التي حضرت المناورة العسكرية وما تحمله من رسائل واضحة إلى العدو وكلّ من يرى أن قوة لبنان في ضعفه، فإنّ أهمية الاحتفاء بالذكرى تتفوّق على أيّ فكرة قد نخطها، وما تحطيم الجدار والعبور إلا إشارة بأن لنا لقاء قريب على تخوم فلسطين…