أيّهما يجب أن يستفز الحكومة أكثر: رياض سلامة أم مناورة المقاومة؟
ناصر قنديل
– تشعرنا البيانات التي يُصدرها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في كل مرة تقوم المقاومة بخطوة رادعة لكيان الاحتلال، أن في جوارير مكتبه بيانات جاهزة من عيارات مختلفة وكميّة أسطر وتعابير مختلفة تحمل أرقاماً، فيكفي أن يسمع بما فعلت المقاومة حتى يأمر بإصدار البيان رقم سبعة أو رقم أربعة، وفقاً لمقتضى الحال، فيما يبدو إتقانه للصمت وتظهر برودة تفاعله مع الأحداث الكبرى التي تدخل في صلب اختصاص حكومته، مبنية على جواب واحد جاهز، على سطح الطاولة، الحكومة لا تستطيع قانونياً التصرف فهي حكومة تصريف أعمال. حكومة نجيب ميقاتي لا تستطيع حتى اتخاذ الموقف الكلامي بشأن أي شيء يدخل في صلب اختصاصها، لأنها حكومة تصريف أعمال، ولكنها حاضرة ناظرة للرد والتعليق على أي خطوة تقوم بها المقاومة لردع الكيان، لأن هذا هو اختصاصها الذي لا يتعطّل بفعل تصريف الأعمال.
– خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، قامت الطائرات المسيّرة التابعة للمقاومة بمناورة حية فوق حقل كاريش، ثبت بما لا يقبل النقاش، أنها كانت الخطوة الحاسمة التي بني عليها القرار الأميركي والإسرائيلي بالتراجع عن اللعب على الوقت، والذهاب فوراً للإقرار والاستعداد لقبول الشروط اللبنانية. هكذا قال المفاوض الأميركي عاموس هوكشتاين وصولاً إلى القول إن القبول بما طلبه لبنان كان تفادياً لنشوب حرب ظهر أن حزب الله مستعد للمخاطرة بخوضها. ومثله قال بنيامين نتنياهو منتقداً رئيس الحكومة حينها يائير لبيد بالخضوع لإملاءات حزب الله هرباً من الحرب، ولم يلبث نتنياهو الذي سبق وهدّد بالانسحاب من اتفاق الترسيم عندما يصبح رئيساً للحكومة، أن أعلن أنه سوف يلتزم بالاتفاقية، لأنها تلبي مقتضيات الأمن القومي الإسرائيلي، والمقصود معلوم، وهو العجز عن تحمل تبعات قرار يمكن أن يمثل مخاطرة بخوض حرب، لكن حكومة الرئيس ميقاتي التي كان بمستطاعها أن تفعل ما فعله نتنياهو، بأن تتهم المقاومة بتخريب المفاوضات ثم تتراجع وتعترف بأن ما فعلته المقاومة كان عاملاً فاعلاً رئيسياً في فرض المطالب اللبنانية على طاولة المفاوضات، فبقيت على موقفها، “المبدئي” بالتنديد بعملية المقاومة، وجواباً على سؤال لماذا؟ هو جواب بسيط، لأن هذا هو اختصاصها، التنديد بأفعال المقاومة، ليس لأن هذه الأفعال مستفزة، بل لأن المقاومة بذاتها مستفزة. ولماذا هي مستفزة؟ الجواب أبسط، لأن الموقف الأميركي منها مبدئيّ ولا علاقة له بالأفعال، لكن الأميركي براغماتي يحسبها ويراعي المصالح والقدرات، بينما الحكومة متخصصة بالموقف المبدئيّ فقط، فهي كذلك لا تتحرك نحو سورية في ملف النازحين، لأن لدى أميركا موقف مبدئيّ، بعدما سقط القناع العربي الذي كان يُخفي العورة الأميركية للحكومة، وأميركا تحسبها براغماتياً ومصلحياً وتحسب المقدرات وربما تناور وتتكلم بعكس ما تفعل، فتعترف بأنها تفاوض في مكان ما الحكومة السورية على شيء ما، لكن الحكومة عندنا تلتزم بالموقف المبدئيّ!
– بالتزامن مع مناورة المقاومة، التي تضمّنت مقرّرات القمة العربية في جدة فقرات خاصة عن شرعيتها وحقها بالدفاع والتحرير ودعت للتمييز بينها وبينها وبين الإرهاب. كان لبنان كله ينتظر ماذا ستفعل الحكومة في قضية حاكم مصرف لبنان، الذي قال عنه رئيس الحكومة إنه أحد ضباطه في الحرب وإن أحداً لا يقيل ضباطه خلال الحرب، بينما كانت مفاعيل الملفات القضائية التي يلاحق سلامة بموجبها أمام أكثر من قضاء أوروبي تتجه نحو إصدار مذكرات قضائية بحقه. وها هي قد بلغت هذه المرحلة، وتصدر مذكرات التوقيف بحقه تباعا، فتجتمع الحكومة للتشاور بهدف القول إنها حكومة تصريف أعمال ولا تملك الصلاحية القانونية. فالموقف مبدئي، لأن رياض سلامة يحمل شهادات عليا بأنه شخص يناسب المواصفات الأميركية لحاكمية مصرف لبنان، كما قال ديفيد هيل أكثر من مرّة، ولا يجوز بسبب الموقف المبدئي أن تقول الحكومة شيئاً قبل أن تسمع كلاماً مبدئياً من الأميركي، لأن هذا ليس اختصاصها، فهي أولاً حكومة تصريف أعمال وثانياً هي متخصّصة فقط بالمقاومة ومتابعة أفعالها.
– مناورة المقاومة بنظر الحكومة مستفزة وإساءة للسيادة اللبنانية، وأفعال رياض سلامة وصولاً لفضائح ملاحقته كحاكم لمصرف لبنان المركزي، لا تستفزّ الحكومة. وبالمناسبة كان المسؤولون في الحكومة يضعون في دفتر شروط اختيار حاكم المصرف المركزي شرطاً هو السمعة العالمية، ويعتبرون أن إحدى ميزات سلامة أنه يحظى بالثقة لدى المؤسسات المالية العالمية، والسؤال هو هل سمعة المتهم بالاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع أصبحت من الشروط الواجب توافرها في حاكم مصرف لبنان المركزي؟
– للتغطية على هذا السقوط الأخلاقي وجب أن يخرج البعض وينتقد الحكومة لأنها لم تفعل شيئاً في مواجهة مناورة المقاومة، وماذا عساها تفعل، والمقصود ليس أن تفعل، بل إضاءة على ما قالت، والتصفيق لأنها لم تفعل بحق رياض سلامة ما كان واجبها الدستوري يُملي عليها أن تفعل، فالإضاءة على اليمين ولف الكوع على الشمال أو العكس، حرفة تحتاج تدريباً ومهارة لا يملكها إلا “أصحاب مبادئ” مثل حكومة صاحبة اختصاص بإدانة المقاومة وجوقة الخائفين على رياض سلامة من جماعة الدولة العميقة والثورة العميقة!