هل تدقّ طبول الحرب؟
} سعادة مصطفى أرشيد*
عُقد مؤتمر هرتسيليا للمرة الأولى عام 2000 وذلك بمبادرة من قيادات أمنية رفيعة في (إسرائيل)، وتحوّل المؤتمر منذ ذلك الحين الى مؤتمر يُعقد سنوياً وبشكل دوري. وهو الآن قيد الانعقاد في دورته الثالثة والعشرين. كانت الفكرة لدى أصحاب مشروع المؤتمر ورعاته ـ ولا تزال ان يمثل المؤتمر العقل الجمعي (الاسرائيلي) دولة ومجتمعاً، سياسة وأمناً، واقتصاداً واجتماعاً، وصولاً الى الأوضاع الصحية، فيشارك في المؤتمر سياسيون وعسكريون ورجال مخابرات ورجال أعمال وأكاديميون جامعيون وفلاسفة وأدباء وأطباء وحقوقيون وحتى أهل الفن من موسيقى ومسرح، كما تتمّ دعوة نظراء لهؤلاء من مؤيدي (إسرائيل) وأصدقائها عبر العالم وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ثم مع حالة التردّي القومي والعربي والفلسطيني أصبح أصدقاء (إسرائيل) من بيننا، إذا اخترنا عبارة ملطفة لوصفهم يشاركون في أعمال المؤتمر.
هذا المؤتمر هو بنك العقول الأمنية والسياسية والاقتصادية حيث يحاول منظمو المؤتمر بأن تتكامل وجهات النظر مع وجهات النظر الأميركية والأوروبية، ولطالما اعتبرت نقاشاتهم وتوصياتهم تذهب باتجاه أنّ مصالح (إسرائيل) ليست إلا امتداداً استراتيجياً لمصالح الغرب وثقافياً لمجتمعاته وليبراليته الجديدة. وبالتالي فإنّ ما تحصل عليه دولتهم من دعم مالي وسياسي وتسليحي هو حقّ لها عليهم دفعه بشكل حقيقي ملموس وليس على شكل دعم لفظي فقط.
أهداف مؤتمر هرتسيليا يمكن إجمالها على أنها رصد الأخطار المحدقة أو المحتملة بدولة الاحتلال داخلياً وإقليمياً ودولياً من جميع الجوانب المذكورة آنفا واتخاذ ما يلزم من توصيات تهدف الى تعزيز مناعة (إسرائيل) والى مضاعفة قوّتها، أيّ الى تحقيق هدف استراتيجي أعلى وهو سلامة الأمن القومي؛ وهو منبر لتوجيه رسائل من العيار الثقيل، فكلّ كلمة محسوبة وموزونه بدقة.
انعكست التطورات الأخيرة التي جرت في شرق المشرق على أعمال المؤتمر في دورته المنعقدة الآن، المصالحة الإيرانية ـ السعودية برعاية الصين من جانب، ثم عقد القمة العربية في جدة والتي عادت بها جامعة الدول العربية والبلد المضيف لأعمال القمة الى دمشق على شكل خيبة أمل كبيرة لما كان يعقده حكام تل أبيب من آمال على دخول السعودية الى حظيرة التطبيع والتي تكمل دائرة التحالف السني ـ العربي ـ (الإسرائيلي) ضدّ إيران وحلف المقاومة.
تعاقب على الحديث يوم أمس رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وقائد سلاح الجو وآخرون… وأجمعوا على أنّ الخطر اليوم هو في إيران ومشروعها النووي، وانّ طهران على حافة القرار السياسي لإنتاج السلاح النووي، وانّ الحكومة (الإسرائيلية) أرسلت الرسائل الى طهران محذرة: سنضربكم إنْ أقدمتم على اتخاذ هذا القرار، فعلى الجيش الإسرائيلي أن يكون مستعداً للمواجهة ومع التشديد على دور سلاح الجو، وانّ (إسرائيل) باستعدادها للدخول في هذا المعترك فإنها تدرك تماماً أنّ المسألة ليست تهديدات من بعيد أو لعب بأعصاب خصومها. فالمسألة تتجاوز تحريك حجر شطرنج على لوحة اللعب، وانّ على إيران ان تدرك انّ هناك ثمناً مرتفعاً عليها أن تدفعه جراء تجرّئها على السعي لامتلاك السلاح النووي الذي يمثل مسأله وجودية لـ «إسرائيل» و»أمنها القومي»، فيما ذهب البعض الى القول إنّ «إسرائيل» قادرة لا على ضرب إيران فحسب وإنما حلفائها وأذرعها، وأنّ المواجهة في هذه الحالة ستكون صعبة على الداخل (الإسرائيلي) ولكنها ستكون أصعب بعدة مرات على خصومها وخاصة في لبنان. النتيجة الفورية لقرع طبول الحرب كانت في انخفاض كبير وسريع لسعر صرف الشيكل أمام الدولار. فهل ستنفذ (إسرائيل) تهديداتها؟ وهل هي قادرة على ذلك؟ وإن كانت تملك هذه القدرة على المبادرة فهل تستطيع تحمّل النتائج؟ أسئلة أجوبتها لدى كلّ من واشنطن وطهران، في الأسبوع الماضي لم تقدم «إسرائيل» على اغتيال ثلاثة من قادة الجهاد الإسلامي في غزة إلا بعد إبلاغ واشنطن والحصول على موافقتها، وإذا كانت في هذا المستوى تحتاج الى ضوء أخضر أميركي فكيف والحال مع إيران، إيران لديها أساليبها المختلفة بالردّ، وهي من يقرّرها كما تريد هي لا كما يريد خصومها، في مرة سابقة قامت (اسرائيل) بضرب مواقع الطرد المركزي في إيران فكان ردّ طهران بتسريع وتوسيع المشروع النووي، وطهران ولا بدّ أصبحت أقوى في مجالها الخليجي بعد مصالحتها مع السعودية والشرقي ـ تجاه الصين وروسيا وستكون بالشهر المقبل قد أصبحت عضواً في منظمة بريكس، مساء اليوم سنعرف الردّ او بعضاً منه في خطاب يلقيه السيد حسن نصر الله.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.