المقاومة حاجة وطنية أمس واليوم وغداً…
} أحمد بهجة*
ليس هناك أجمل من شعور الإنسان بالاعتزاز والفخر لانتمائه إلى وطن سيد حرّ مستقلّ بكلّ ما لهذه الكلمات من معانٍ ودلالات وأبعاد.
ولا شكّ أنّ احتفالنا كلّ عام في 25 أيار بعيد المقاومة والتحرير هو تجسيد لهذا الشعور العارم الذي يترسّخ أكثر فأكثر مع الأيام، خاصة أنّ مسيرة الانتصارات لم تتوقف عند ذلك التاريخ كما أراد بعض الذين قالوا يومها إنّ مهام المقاومة قد انتهت مع إنجاز تحرير الأرض اللبنانية المحتلة، علماً أنّ الأرض لم تتحرّر كلها بعد، ولا يزال هناك جزء منها محتلاً في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر.
طبعاً يمثل تحرير هذا الجزء العزيز من أرضنا مهمة أساسية للمقاومة، وهي لم تتخلّ عنها يوماً، علماً أنّ مسيرة الانتصارات التي توَّجها انتصار 25 أيار 2000، تكلّلت بانتصار تموز ـ آب 2006، ثم بتحرير لبنان وجباله وجروده من مجموعات الإرهاب التي أراد مشغلوها وداعموها المعروفون بالوجوه والأسماء (والأموال) أن يزرعوا من خلالها الفتن والظلام في بلادنا، ولكن كانت المقاومة والجيشان اللبناني والسوري بالمرصاد لهذه المخططات السوداء وتمكّنوا من صدّها وإفشالها.
وقد وفّرت هذه الإنجازات منعة وقوة ومكانة للبنان لم يعهدها في الأزمنة السابقة حين سادت مقولة «إنّ قوة لبنان في ضعفه»، أما اليوم فإنّ قوة لبنان هي في قوّته، وفي المعادلة الماسيّة المتمثلة بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».
ولعلّ ما حصل قُبيْل التوصل إلى اتفاق الترسيم البحري يمثل أبرز دليل على ما نقول، حيث يذكر الجميع أنّ الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين تعاطى باستهزاء مع مطالب الحكومة اللبنانية، واستخفّ علناً بهذه المطالب في مقابلة مع قناة «الحرة» الأميركية في حزيران 2022، فذهبت مُسيّرات المقاومة مشواراً صغيراً في مطلع تموز فوق منصات العدو في حقل كاريش، ليأتي بعدها الموفد الأميركي نفسه ويبلغ المسؤولين اللبنانيين الموافقة على مطالب لبنان كلها، ليُصار بعد ذلك إلى توقيع اتفاق الترسيم في تشرين الأول 2022 قبل أيام قليلة من انتهاء عهد الرئيس العماد ميشال عون الذي أعلن دخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط والغاز.
ورغم أنّ العدو «الإسرائيلي» ومن خلفه الأميركي ومَن معه لا يريدون للبنان أن يستخرج نفطه وغازه، بدليل ما حصل في البلوك رقم 4 الذي انطلق فيه حفر أول بئر في أواخر شباط 2020، ولكن ما لبث ان توقف الحفر قبل أن يكتمل، ولم تلتزم شركة «توتال» الفرنسية ومعها شريكتاها «نوفاتك» الروسية و»إيني» الإيطالية بمضمون العقد الموقع مع الحكومة اللبنانية والذي ينص على حفر بئرين، ولا تمّ تسليم وزارة الطاقة التقرير الرسمي بنتائج الحفر كما ينصّ العقد أيضاً. ولاحقاً أقرّ مسؤولون في «توتال» بأنّ الشركة تعرّضت لضغوط كبيرة لكي توقف عملها في لبنان.
هذا كان قبل المُسيّرات وقبل الكشف عن الإحداثيات الدقيقة التي تملكها المقاومة عن منصات النفط ليس فقط في حقل كاريش إنما أيضاً في كلّ الحقول الفلسطينية المحتلة التي يستخرج منها العدو النفط والغاز. لذلك نرى اليوم أنّ مسار التنقيب والحفر والاستكشاف في البلوك رقم 9 يسير بخطى ثابتة (ولو كانت بطيئة بعض الشيء)، وسيبدأ الحفر في البئر الأول مطلع الخريف المقبل، ولن يستطيع العدو ومَن معه التأثير على هذا المسار لأنّ المقاومة جاهزة بالمرصاد لأيّ خلل قد يتعرّض له.
هذا يعني أنّ لبنان سيبقى بحاجة دائمة للمقاومة التي تحرّر الأرض وتحفظ الناس وتحمي الثروات والموارد، وهي قادرة على ذلك طبعاً، كما أكد السيد حسن نصرالله أمس، وكما رأينا وشاهدنا بأمّ العين في المناورة العسكرية النموذجية والبطولية التي حصلت قبل أيام في أحد معسكرات المقاومة في الجنوب بوجود حشد من الصحافيين والإعلاميين يتقدّمهم مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، وقد تمّ نقل هذا المشهد الرائع إلى حيث يجب أن يصل…
*خبير مالي واقتصادي