زيلنسكي… نقطة سوداء من القمة العربية
} د. جمال زهران*
يبدو أنّ استعادة سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد لمقعدها في جامعة الدول العربية، وهي إحدى الدول الخمس المؤسسة للجامعة من آذار/ مارس 1945 وهي مصر وسورية ولبنان والعراق والأردن، وأضيفت لها دولتان بعد ذللك في أيار/ مايو 1945 بعد التأسيس بشهرين، هي السعودية واليمن، واعتبر انضمام دولتين ضمن المؤسسة ليصبح العدد 7 دول، ليتواتر بعد ذلك عدم الإشارة إلا الى الدول السبع المؤسسة، ولا يشار الى الدول الخمس الأولى! كما مؤلم للبعض وعلى غير ارادة بعض الدول وفقاً لأهوائها الشخصية ضدّ سورية سواء الرئيس او غيره، أو وفقاً للضغوط الخارجية الواقعة على البعض من النظم العربية الحاكمة خصوصاً من الفرع (أميركا وأوروبا).
والسؤال هنا هو: لماذا تمّت دعوة هذا الصهيوني المدعو زيلنسكي لحضور مؤتمر القمة العربية الثاني والثلاثين وهو ليس عضواً ولا يمثل دولة في الإقليم، وليس معتاداً ذلك في تاريخ القمم العربية؟
الإجابة الصريحة والمباشرة تتمثل في عدة نقاط هامة هي:
هذه القمة بالذات تمّ التحضير لها بعناية من جانب السعودية وعقدت الاجتماعات العديدة لكي يتم إعداد الحميع لمشهد ان هذه القمة قمة عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، أي أنها قمة سورية بامتياز. فالمعروف أنّ هناك عدة دول عربية بعضها مع تكتل الخليج، وبعضها دول أخرى كانت ترفض وبإصرار عودة سورية للجامعة، وطلبوا صراحة تأجيل الموضوع كما حدث في قمة الجزائر التي عقدت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حيث كانت الجزائر وعلى مدار ثلاث سنوات تصرّ على عدم عقد القمة العربية على أرض الجزائر بدون حضور سورية. وعندما طال الأمر لعدة سنوات، تمّ الاتفاق في الدهاليز، على عقد القمة، والوعد بالتجهيز للقمة التالية في السعودية التي تترأس الدورة الجديدة لإعادة سورية إلى مقعدها، ومن ثم أصبح لزاماً على السعودية الوفاء بذلك، ومارست الضغوط على الدول الرافضة للعودة السورية، حتى وافق الجميع ومن بينهم القلة الرافضة أو المعترضة على ذلك رغم إرادتهم.
إذن، فإنّ السعودية التي عقدت اتفاقاً مع إيران برعاية صينية في آذار/ مارس الماضي، تمكنت من إخراج المشهد وإجبار المعترضين، لكن الموافقة على عودة سورية للجامعة وتمكين سورية من استعادة مقعدها الدائم، بعدما ظلّ شاغراً لمدة 12 سنة، وسينسب للسعودية هذا الجهد، بغضّ النظر عن عدم الموافقة على السياسات السعودية باعتبارها من الدول الرجعية التي حذرَنا منها الزعيم جمال عبد الناصر، او قبول هذه السياسات من البعض وهم متحالفون بالطبع مع أميركا والاستعمار الصهيوني. ومن المعنى الأخير فإنّ التاريخ سيذكر أنّ سورية عادت واستعادت مقعدها في الجامعة عبر السعودية وليست أي دولة عربية أخرى مهما كان حجمها أو وزنها.
واذا كان الأمر كذلك، فلماذا تمّت دعوة زيلنسكي لحضور المؤتمر والإدلاء بكلمة في المؤتمر ومخالفة للأعراف المستقرة من عقد مؤتمرات القمة العربية التي وإن تمت دعوة هيئات او دول فلا تخرج عن الحضور كمراقب وبدون كلمات!
المدعو زيلنسكي رئيس دولة تسمّى أوكرانيا وهو ممثل مهرّج ليس له مكانة فنية، وتمّ اختياره من قبل أميركا وأوروبا ليكون ممثل المرحلة، وهي استفزاز روسيا، لتوريطها في حرب قد تدفع فيها ثمناً غالياً حسب تقدير الغرب لذلك، ومن ثم قد اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية وانقسم العالم بين مؤيد ومعارض بينما هناك مَن يحاول أن يمسك العصا من الوسط، كما يظهر من غالبية الدول العربية. ولعلّ قراءة الخريطة السياسية في إطار هذه الحرب، يتضح أنّ سورية التي هي بؤرة تفاعلات القمة والإقليم والعالم باستعادتها لمقعدها في الجامعة العربية تؤيد روسيا التي كانت داعمة لسورية منذ تفجير الأزمة من عام 2011 وحتى الآن، كما أنّ سورية أحد أضلاع محور المقاومة في الإقليم ضدّ الكيان الصهيوني والاستعمار الأميركي والتركي.
ومن ثم فإنّ دعوة زيلنسكي غرضها الأساس التشويش على استعادة سورية لمقعدها، وحرف الأنظار عن قمة سورية الى قضية أوكرانيا وأزمتها، وهي الموالية للغرب وأميركا ولسان حالهما.
وكذلك تكريس الفرقة في الصفوف العربية بمحاولة إرضاء الدول الرافضة للعودة السورية بتقليل التركيز على هذه العودة بإحضار عدو روسيا، الداعمة لسورية وإيران ومحور المقاومة.
كما أنّ الهدف الأصيل وراء كلّ هذا المشهد، هو (استجابة السعودية) بغير مبرّرات حقيقية بدعوة زيلنسكي للمطالب الأميركية على وجه التحديد كنوع من مراضاة أميركا التي مارست ضغوطاً على السعودية منذ توقيع الاتفاق مع إيران، وترجمة ذلك الى واقع في حلّ أزمات المنطقة وفي مقدّمتها المسألة السورية وعلى غير إرادة أميركا دون ان تفلح.
وقد ظهر هذا الخيار كحلّ وسط طرحه حسب المعلومات مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي الذي زار السعودية ثلاث مرات من شهر واحد قبل انعقاد القمة العربية.
وقد لوحظ أنه كان هناك تكتم على حضور زيلنكسي باعتراف الجميع، الا انّ تسريب الخبر للجزائر أدّى الى مقاطعة الرئيس الجزائري للقمة، بينما لم يتردّد الرئيس السوري في الحضور لأنها قمته بالأساس، الا انّ غياب الإمارات تماماً ومن دون مناقشة للأسباب حتى الآن او إعلامها، وكذلك انسحاب أمير قطر بعد الافتتاح وكلمة ولي العهد السعودي ومن ثم كان حضور هذا المهرّج، المؤتمر نقطة سوداء كشفت التناقضات في الإقليم العربي، بل أبعدت الأنظار عن الانسحابات والمقاطعات بين بعض الرؤساء العرب…
إلا أنّ الخلاصة والنتيجة أنّ هذا الحضور لم ينل من التأثير والحضور السوري، ولم ينجح من فكروا باستحضار زيلنسكي من تعكير صفو القمة بأنها قمة سورية والذي يؤكد ذلك، ظهوره بملابس كاجوال تهريجية لا تليق برؤساء الدول بل برؤساء العصابات وجاءت كلماته باهتة مثله. ومع الأسف فإنّ الغرب لا يزال يلعب به في صراعه مع روسيا والصين وكلّ الداعمين في العالم.
لقد فشل من فكروا في استحضار زيلنسكي للقمة التي نجحت باستعادة سورية لمقعدها وعودتها للجامعة التي كانت من أوائل من أسّسوها، ولا يزال النظام العالمي والدولي في طريقه نحو إعادة التشكيل والنظام الإقليمي العربي في مرحلة التفاعل الشديد وإعادة الهيكلة والى أن يستقر الوضع، فإنّ زيلنسكي الى زوال وسورية الى القمة.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.