نقاط على الحروف

– مئوية استشهاد مؤسس المقاومة… ووحدة الساحات

ناصر قنديل

– في 30 أيار 1923 قامت وحدة من الجنود الفرنسيين بتنفيذ حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة عسكرية فرنسية عاجلة بحق مؤسس المقاومة اللبنانية البطل أدهم خنجر ابن بلدة المروانية في منطقة الزهراني، الذي قاد مع رفيقه صادق الحمزة ابن بلدة دبعال في منطقة صور، مقاومة مسلحة منظمة بوجه الاحتلال الفرنسي للبنان. وكانت هذه المقاومة قد حددت مرجعيتها بمقررات مؤتمر وادي الحجير الذي عُقد في 24 نيسان 1920 برئاسة الإمام الراحل المقدس السيد عبد الحسين شرف الدين، ويشرّفني أن أذكر أن جدي العلامة المرحوم الشيخ حسين نور الدين كان أحد أركان هذا المؤتمر، كما يؤكد من كتبوا تاريخ تلك المرحلة وقاموا بتوثيقها، وخرج المؤتمر بثلاثة قرارات يومها، الأول تأمين الغطاء والدعم لحركة المقاومة المسلّحة التي كانت بقيادة أدهم خنجر وصادق حمزة، والتي وفرت حماية مكان انعقاد المؤتمر، وهو المكان ذاته الذي شهد عام 2006 مجزرة الدبابات التي نفذتها المقاومة بحق جيش الاحتلال الإسرائيلي، والثاني التزام المقاومة بكونها مقاومة بخلفية سياسية وطنية لا طائفية، والالتزام وفقاً لذلك بالامتناع عن أي سلوك يمكن أن يفهم منه استهداف المسيحيين، والثالث الاتصال بالملك فيصل في دمشق لإعلان تأييد إعلان دولة سورية الموحّدة، ورفض قرارات الجنرال غورو بإنشاء كيانات تقوم على تقسيم سورية الموحّدة، وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو.
– خاضت المقاومة بطراوة عودها معارك باسلة بوجه الاحتلال الفرنسي، لكنها واجهت محاولات ناجحة للمستعمر الفرنسي بتأليب اللبنانيين طائفياً بوجهها، اجتذاب جزء كبير منهم للتعامل مع الاحتلال، وإفرازاته السياسية والقبول بالخضوع لسلطة الانتداب، بما يشبه ما واجه المقاومة في بداياتها عام 1982، وولادة سلطة في كنف الاحتلال انتهت بتوقيع اتفاق 17 أيار، واندلاع مواجهات لم تنجح المقاومة فيها في المرتين، عام 1920 وعام 1982 بتفادي الانقسام الطائفيّ حول المستعمر والمحتل، مثلما عادت ونجحت نجاحاً منقطع النظير مع معركتها الفاصلة لتحرير الجنوب عام 2000، بترفعها عن كل انتقام من الذين تعاملوا مع الاحتلال، منعاً لاندلاع أحداث طائفية، أو تصوير انتصارها كنصر لطائفة على طائفة، من دون أن يؤدي هذا الأداء الأخلاقي والوطني الرفيع تجنيب المقاومة استمرار التحريض عليها ومحاولات شيطنتها، واشتراك أطراف لبنانية وازنة في حملات الاستهداف والشيطنة.
– في 30 أيار 1923 أعدمت قوات الاحتلال البطل أدهم خنجر، ونجح عملاء الاحتلال باغتيال رفيق دربه صادق الحمزة بعد ثلاث سنوات، لكن اللافت في مسيرتهما المقاومة أنها كما أدركت خطورة تحويل معركتها مع الاحتلال إلى حرب طائفية داخلية، أدركت أهمية وحدة الساحات، فقد تشارك صادق حمزة وأدهم خنجر العمليات بوجه الاحتلال، والسلاح والذخيرة، مع المقاومة التي كانت قد ظهرت بالتوازي في أنحاء مختلفة من سورية، وخصوصاً في مناطق الجولان، التي قصدها صادق حمزة، أو السويداء التي قصدها أدهم خنجر، وقد كتب الكثير عن العلاقة المميّزة التي ربطت أدهم خنجر بسلطان باشا الأطرش، وكذلك بالمقاومة في دمشق والغوطة التي كان ينسّق معها لحساب المقاومة بتأمين الأموال والسلاح، السيد محسن الأمين المقيم في دمشق والذي تولى مهمة تمثيل مؤتمر وادي الحجير في العلاقة مع الملك فيصل، ومع جماعات المقاومة في سورية.
– لعله من المفيد لفت النظر إلى أن هذه المقاومة التي ولدت قبل أكثر من مئة عام، ولدت قبل أن يولد حزب الله، وقبل أن تنتصر الثورة الإسلامية في ايران، وتخرج قاعدة ولاية الفقيه إلى عالم الاجتهاد الديني، وكانت مقاومة مسلحة بوجه احتلال أجنبي، انقسم اللبنانيون حول الموقف منه، وتمت شيطنتها بسبب وقوفها بوجهه، وقيل عن أدهم خنجر وصادق حمزة أنهم قطاع طرق ولصوص، كما يُقال عن المقاومة اليوم إنها تتاجر بالمخدرات، وإن هذه المقاومة التي قدمت قادتها شهداء كما هي مقاومة اليوم، ولم تنج من ألسنة ومؤامرات أخوتها في الوطن، أدركت وحدة الساحات التي تدركها مقاومة اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى