ماذا لو قرر حزب الله الانتقال الى المعارضة؟
ناصر قنديل
يبني كل الذين يخوضون معركة ترشيح وزير المال في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة جهاد أزعور معادلاتهم، على أن ترشيح أزعور وفر لهم معطيات لم يوفرها ترشيح النائب ميشال معوض، لجهة فتح الباب للتفاوض على التخلي عن دعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية وقبول التفاوض على اسم ثالث، هو بالنسبة لكل فريق من داعمي أزعور اسم مختلف، لكنه بالنسبة للواقفين داخلياً وخارجياً في ضفة ادارة اللعبة قائد الجيش العماد جوزف عون، لكن هؤلاء لا ينتبهون أنهم يطلبون تسجيل مجموعة أرباح على الثنائي وخصوصاً على حزب الله، في لحظة استراتيجية، وليست سياسية فقط، لا تتناسب مع هذه الطموحات، فهم يطلبون رئيساً لا يحمل توجهات فرنجية الإقليمية التي توحي بما حققه محور المقاومة من انتصارات وما تتجه نحوه سورية من صعود لدورها في الإقليم، ويريدون رئيساً يوحي بتحجيم مكانة حزب الله داخلياً لصالح خصومه التقليديين ولو عبر الاستعانه بحليفه السابق القديم التيار الوطني الحر.
في الشق الداخلي المتعلق بهوية النظام السياسي الطائفي لا ينتبه هؤلاء، أو أنهم ينتبهون كثيراً، الى انهم يريدون بعدما أمنوا عبر التيار الوطني الحر بسبب حلفه مع حزب الله، قانون انتخابات يكرّس عرفاً معاكساً لاتفاق الطائف، ضمن ربط انتخاب النواب المسيحيين بأصوات الناخبين المسيحيين، أن ينتزعوا عرفاً جديداً معاكساً أيضاً لاتفاق الطائف عنوانه ان ينتخب هؤلاء النواب المسيحيون رئيس الجمهورية، بصفته مسيحياً، فيفرغ اتفاق الطائف من مضمونه، بعدما قام على معادلة مقايضة بقاء المناصفة والمناصب الموزعة طائفياً وفيها الحصة الوازنة للمسيحيين، من رئاسة الجمهورية وقائد الجيش وحاكم المصرف المركزي، بنقل السلطة الى مجلس نواب قائم على المناصفة، لكن يتشارك المسلمون والمسيحيون بتوازناتهم الطبيعية في انتخابه، فيكون للمسلمين نسبة تأثير في انتخاب النواب المسيحيين، تنعكس على سائر مخرجات المجلس النيابي رئاسياً وحكومياً وبالتالي في الوظائف، والانقلاب على هذه المعادلة بدأ في قانون الانتخاب الذي ما كان ليكون لولا دعمه من حزب الله سعياً منه لتحقيق أرباح لحليفه التيار الوطني الحر في ساحته الطائفية، لكن مواصلة تمرير نتائج هذه المعادلة الجديدة، تعني عملياً رئيساً ينتخب بأصوات نواب ينتخبون من ناخبين مسيحيين، يملك حق الفيتو على تشكيل الحكومة واختيار الوزراء المسيحيين فيها بما هو أكثر من ثلثها المعطل، ما ينتهي بجعل المسلمين أهل ذمة في دولة هم أكثرية مواطنيها، وهذه الصيغة لا يمكن قبولها والدفاع عنها في القرن الحادي والعشرين باعتبارها نظام فصل عنصري بامتياز.
طبعاً ترشيح أزعور لن يجعله رئيساً، إلا إذا انتقلت الكتل الدرزية والسنية الى انتخابه، بضغوط خارجية، رغم علمها بخطورة ما يمثله منطق حصر حق التسمية بالمسيحيين على أعراف فهم وتطبيق اتفاق الطائف، ولا يبدو هذا وارد الحصول، إلا إذا فشلت المفاوضات التي يريدها هذا الخارج مع حزب الله، من بوابة الاستعصاء الذي تمّ إنتاجه عبر الحلف الثلاثي المسيحي الواقف وراء ترشيح ازعور، ونظرية حق المسيحيين بالتسمية. والفشل يعني عدم قبول حزب الله بتقديم ثمن تسهيل الخارج لوصول فرنجية الى الرئاسة، مثل حالة أن يكون المطلوب ضمان أمن الحدود الجنوبية دون حلول للقضايا والحقوق العالقة مثل مزارع شبعا وسواها، والفشل يعني أيضاً عدم قبول حزب الله بما يتم عرضه عليه لقاء التخلي عن ترشيح فرنجية والقبول بانتخاب قائد الجيش، حتى لو كان ضمن المعروض انسحاب أميركي من سورية، فماذا يحدث في هذه الحالة، وكيف يتصرّف حزب الله؟
ثمة سيناريو تقليدي متوقع، وهو أن يقوم حزب الله بالتنسيق مع حلفائه، بالبقاء عند دعم ترشيح فرنجية مهما طال الزمن كما فعل يوم دعم ترشيح العماد ميشال عون، واستخدام كل أدوات اللعبة الدستورية المتاحة بما فيها تعطيل النصاب، وصولاً لقواعد تفاوض جديدة سوف يكون مستقبل النظام السياسي على رأسها، لرد الاعتبار لمضمون وروح اتفاق الطائف بالحد الأدنى، عبر وضع جدول زمني نصّ عليه الطائف لإلغاء الطائفية السياسية انطلاقاً من قانون انتخاب جديد لمجلس نواب خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ يمثل الطوائف وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية، كما ورد في اتفاق الطائف، ويكون انتخاب فرنجية الرئيس من ضمنها، لكن ثمة سيناريو غير تقليدي لا يجب تجاهله كاحتمال، وهو أن يقرّر حزب الله عدم المشاركة في الحكم، والتغاضي عن فرضية انتخاب أزعور، فماذا يحدث عندها؟
يُنتخب أزعور، يشارك الرئيس نبيه بري في حكومة العهد الأولى، كشريك مضارب فقط، وإذا أرادوا شريكاً شيعياً من خارج مجلس النواب ولم تعجبهم مشاركة بري فلم لا، لكن حكماً لا يشارك حزب الله، ويتحمل الحلف الثلاثي، خصوصاً خلطة التعاون بين التيار والقوات والتغييريين، ومن معهم خارجياً وداخلياً مسؤولية إدارة الملف المالي والاقتصادي وعلى رأسه قضية المودعين، ومواجهة الأزمات الاجتماعية وتداعياتها الشعبية، وحلّ ملف النازحين بإبقائهم أو بإعادتهم، وحل ملف ترسيم الحدود مع سورية بالمنيح أو بالقوة، ومسؤولية حل قضية مزارع شبعا المحتلة والتصدّي للانتهاكات الإسرائيلية الجوية والبحرية، والتعامل مع إدارة تصدي المقاومة لهذه المهمة، وثمة من يقول من مؤيدي حزب الله عن هذا الخيار، ولم لا، أرونا عبقريتكم في إدارة الحكم وحلوا مشاكل البلد، فربما تكونوا قادرين، لم لا؟ لكن عندما تفشلون فعليكم المجيء الى كلمة سواء ليس فيها أنصاف حلول.