السودان بؤرة صراع جديدة تهدّد الأمن الإقليمي و”طريق الحرير” خبراء يحذرون من حرب طويلة تؤدّي الى تقسيم جديد
بعدما عاد الهدوء الى معظم الأراضي السورية وبعد أن وضعت الحرب في اليمن أوزارها، ولفحت المنطقة العربية والخليج رياح التفاهمات والتسويات برعاية الدولة الصينية، وعاد الدفء والحياة إلى شرايين العلاقات العربية واستعادت سورية مقعدها في الجامعة العربية، اندلعت الحرب في السودان بشكلٍ مفاجئ ومن خارج سياقات التهدئة ومسارات الاتفاقات.
ما هو سبب اشتعال الحرب؟ وما هي آفاق التسوية المقترحة؟ وما هو تأثيىر الولايات المتحدة على الطرفين المتصارعين؟ وأين تقع السعودية والإمارات بالنسبة للأطراف المتنازعة؟ وما مدى التأثير القبلي والظروف التاريخية والاجتماعية والاستراتيجية على الأطراف؟
تحت عنوان “السودان الى أين”، عقدت ندوة في أوتيل “ايدن باي” في بيروت، ضمت نخبة من الخبراء والباحثين والمحللين المختصين في الشأن السوداني والشؤون الاستراتيجية وقضايا المنطقة والعالم.
وفنّد الخبراء أبعاد هذه الحرب وأسبابها وتداعياتها على السودان والدول المجاورة، كما سلطوا الضوء على أهمية السودان الجيوسياسية والاستراتيجية على الساحات العربية والأفريقية والدولية، وأجمعوا على التورّط الاستخباري للولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” في إشعال الحرب، والدور الإماراتي في تمويلها، لأسباب سياسية واقتصادية، منبّهين الى استهداف مباشر للسعودية والصين في هذه الحرب، وحذر المجتمعون من أنّ حرباً طويلة بانتظار السودان وفوضى عارمة في المنطقة العربية والأفريقية بغياب أيّ أفق للحلّ وأيّ إرادة لجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وإرساء الهدنة والتهدئة.
حضر الندوة الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الياس فرحات، الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية العميد شارل أبي نادر، الباحث في القضايا الدولية أمين قمورية، أستاذ السياسات الدولية في الجامعة اللبنانية د. أحمد ملّي، الكاتب والمحلل السياسي محمد بلوط، الخبير الاقتصادي والباحث السياسي د. بيار خوري، الخبير المالي والاقتصادي د. أحمد سلوم، مدير عام الاستشارية للدراسات الاستراتيجية د. عماد رزق، أستاذ العلوم السياسية د. نبيل سرور، الكاتب والمحلل السياسي رضوان عقيل، الكاتب والمحلل السياسي محمد حمية والباحث الاقتصادي مهند الأسعد.
فرحات
وتوسّع العميد الياس فرحات في قراءة الخلفيات التاريخية والظروف الاجتماعية والقبلية والعوامل السياسية والأمنية المحيطة بأحداث السودان.
وقال: “معظم الجيش السوداني هو من الإخوان المسلمين في ظلّ حكم الرئيس عمر البشير، أما وحدات الدعم السريع فهي جيش رديف للجيش السوداني وقد تشكلت بنصحية إيرانية للحكومة السودانية وهي شبيهة بالحرس الثوري الإيراني، وكانت آنذاك العلاقات الإيرانية ـ السودانية جيدة على مدى 4 سنوات. الجيش السوداني عريق ولديه قدرات إنما قوات الدعم السريع قبائل وميليشيات ولديهم حرية الحركة والإنتقال وينتشرون في الخرطوم”.
وألقى العميد فرحات الضوء على الدور الإماراتي في اندلاع الأحداث في السودان والأسباب والأهداف التي تدفعها للانخراط في هذه الحرب، وأهمّها نقل الذهب الذي جمعته قيادات الدعم السريع والذي تقدّر قيمته بمليارات الدولارات إلى المصارف الاماراتية”.
وتوقع فرحات إطالة أمد النزاع في ظلّ ضعف السلطة المركزية وتنامي قوة الحركات الانفصالية. وقال: “البرهان وحميدتي لا يريدان الحكم المدني وتعاونوا على طرد حمدوك لكن تفاقم الخلاف بينهما لاحقاً، البرهان سيطر على الموارد الاقتصادية، أما حميدتي فسيطر على الذهب”.
وقال: “هناك خلاف دولي على عقود النفط بين الشمال والجنوب، والأميركيون مدوا أنابيب لنقل النفط من السودان عبر البحر الأحمر الى أوروبا، منطقة النوبة في السودان ذات أهمية استراتيجية دولية، تداعيات الحرب في السودان ستطال كلّ الدول المجاورة للسودان، لا سيما مصر وليبيا، وخليفة حفتر يدعم قوات الدعم السريع ويؤيد الإمارات، فيما تقف مصر مع الرئيس البرهان… السعودية لا تريد استمرار الحرب، لكنها قامت بوساطة مع الأميركيين وأطراف النزاع ولم تستطع أكثر من التوصل الى تنظيم إطلاق النار أو هدنة انسانية.. القوة الواعدة في السودان هي الصين التي تُطعِم 800 مليون أفريقي من الثروة الحيوانية والزراعية نظراً للموارد الطبيعية الكثيرة والأرض الخصبة، فالحرب في السودان أغلقت الطريق على الصين.. إنّ اطالة أمد الحرب سيخلق حركات انفصالية في الجنوب السوداني وفوضى تعمّ كلّ البلاد التي ستصبح بلا مرجعية تستطيع وقف النار، لا سيما في حال تمكن حميدتي من مصادرة الأموال والذهب من السودان، لأن هذا يعني أننا أمام حرب لا مثيل لها في تاريخ السودان، أستغرب كيف أن الامم المتحدة لم تتدخل ولا الاتحاد الأفريقي الذي لم يرسل قوات أفريقية لوقف الحرب وفرض الأمن رغم وجود مليوني نازح من السودان، وبالتالي سيدفع الثمن الشعب السوداني، هذا بموازاة عجز عربي عن التدخل لوقف النار وغياب الحلول في القمة العربية الأخيرة”.
ملّي
وأشار الدكتور أحمد ملي الى أنّ مصر هي أكثر المعنيين بأزمة السودان.
وقال: “هناك صراع على السلطة بين الجيش النظامي البرهان ووحدات الدعم السريع الذي تشكل في دارفور، وهناك صراع محلي واطار اقليمي، القرن الأفريقي والبحر الأحمر، إسرائيل معنية بالسودان لأهمية العقبة وباب المندب بالنسبة اليها، المشروع الأميركي قديم (القرن الأفريقي الكبير) لحماية آبار النفط وممرات وطرق نقله، الصراع سيمتدّ في الاقليم، مصر معنية بأمنها القومي خاصة في سدّ النيل، إثيوبيا معنية أكثر من مصر بالسودان وهناك سلسلة اتفاقات في العام 1902 بين أثيوبيا والسودان وأول بند بالاتفاقية هو ترسيم الحدود، السعودية معنية والامارات أيضاً عبر شركة “موانئ دبي”، إذا انهار سد النهضة تغرق الخرطوم”.
خوري
وقال الدكتور بيار خوري: “الصين لاعب محايد يستفيد من ثغرات الدول الكبرى وستلعب السعودية دوراً في وقف النار، لا مشروع أميركي تنموي للمنطقة بل مشروع الحروب والتقسيم، الصراع على طريق الحرير وهذا جوهر الحرب بالسودان، سقطت البنى الاشتراكية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والتحقت بالبنية العربية، المنطقة بحاجة الى نظام تنموي جديد”.
قمورية
وقال الباحث والمحلل السياسي أمين قمورية: “المشكلة في الهوية في السودان والتنوّع القبلي، قوات الدعم السريع هي ميليشيا، واسترضت إسرائيل بنزع كلمة قدس من العلم السوداني.. الأميركي اللاعب الأقوى في السودان، الوجود الروسي في السودان يقدم الدعم لحميدتي بسبب جبال الذهب لاستخدام المال في لعبة المصالح، لكن روسيا غير مرتاحة ولا الصين، السودان ساحة جديدة للصراع الدولي، إسرائيل عينها على البحر الأحمر والجميع له تواجد وموطئ قدم في هذا البحر، من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وقطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا، نظراً لاهميته في التجارة الدولية.. سبب الإتفاق على إنهاء حرب اليمن هو أمن البحر الأحمر لكي لا تغلق طرق الملاحة الدولية والتجارة الخارحية وطرق النفط الى أوروبا”.
بلوط
وقال الباحث والمحلل السياسي محمد بلوط: “ما يجري هو حرب بين القوى الخارجية على أرض السودان، الساحة مكشوفة للقتال وللحسم العسكري، الصراع من أجل الذهب والموارد والمناجم، حميدتي يملك مناجم الذهب مع آخرين، اجتماع جدة حصل بغياب القوى السياسية المعنية بالحلّ السوداني، الإمارات طرف رئيسي بالصراع، لا أفق ولا فرصة لإنشاء مسار سياسي لوقف الحرب، ثروات الصين تطعم 800 مليون نسمة، تهريب الذهب الى روسيا مقابل تزويد قوات حميدتي بالأسلحة الروسية، الإمارات تمول الحرب بالسودان فيما مصر بحاجة لهذه الأموال للنهوض الاقتصادي، تراجع الأمن القومي العربي، معادلة السودان معادلة لا صلح لا تفاوض ولا حسم.
أبي نادر
وقال العميد شارل أبي نادر: “هناك دور أميركي في قطع طريق الحرير أمام الصين، وقف إطلاق النار تمّ بين جهتين واحدة شرعية والثانية غير شرعية، وهذا شرع عمل قوات الدعم السريع، الأميركيون يريدون تداخل الفوضى وعدم إنهاء الحرب، السودان مدخل للقرن الأفريقي والبحر الأحمر وطريق الحرير، السودان نقطة أساسية والهدف خلق توتر يؤثر على المنطقة والصين وروسيا، الإستراتيجية الأميركية هي للتأثير على طري الحرير وطريق الصين الى البحر المتوسط والمنطقة العربية بعد توازن المنطقة في ظل الاتفاق الإيراني السعودي وانعقاد القمة العربية”.
حميّة
وقال الصحافي محمد حمية: “بدأت الحرب على اليمن بعدما بدأت تظهر مؤشرات انحسار الحرب على سورية وانحسار التنظيمات الإرهابية، وعندما انتهت حرب اليمن، اشتعلت حرب السودان، فهل البديل عن حربي سورية واليمن هي السودان؟ هناك تزامن بين الحرب في السودان والاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وإذا كانت الحرب في أوكرانيا استهدفت روسيا، فهل حرب السودان هي ضدّ الصين؟ ماذا بعد حرب السودان؟ هل سنشهد تفجير بؤر نزاع جديدة في المنطقة؟ الأميركيون يشعلون دائماً حروباً متنقلة للجم المتغيّرات في النظام الدولي والصعود الروسي والصيني، كما كانت الحرب العراقية موجهة ضدّ الصعود الإيراني في الثمانينات.. حرب السودان يهدف لضرب هذا البلد العربي الأكبر مساحة والأغنى في الثروات الطبيعية وضرب الأمن القومي العربي بعد القمة العربية وعودة سورية الى الجامعة ولجم الاندفاعة العربية.. ورسالة أميركية أمنية للسعودية بأنّ أمنها القومي لا يتأمّن فقط بالاتفاق مع إيران وتعزيز الأمن القومي العربي، إضافة الى توجيه ضربة اقتصادية للصين عبر قطع طريق “الحرير والحزام”..
أضاف حمية: “السودان هو بوابة أفريقيا وهي تشكل القاعدة الخلفية الاقتصادية وساحة للتعاون الاقتصادي وسوق هائلة للمنتوجات الصينية.. سرقة الموارد والنفط والذهب في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة.. الغرابة بأنّ الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يتحركوا في وقت أنّ أيّ حادثة صغيرة أم كبيرة تحصل يتحرك الأميركيون وينعقد مجلس الأمن ويصدرون القرارات تحت الفصل السابع.. الصين انتهجت الحياد والنأي بالنفس في سياستها الخارجية لعقود طويلة، إزاء الأزمات الدولية والاقليمية مقابل التركيز على بناء قوتها الاقتصادية وتجارتها مع دول العالم واستفادت من الأحداث بالمنطقة ومن الاستنزاف الأميركي والأوروبي في الحروب الأميركية في المنطقة من أفغانستان والعراق والأحداث في الدول العربية وحرب الإرهاب والحرب على سورية، ولم تستخدم الصين الفيتو إلا بالحرب السورية، أما الآن فالسياسة الخارجية الصينية تغيّرت باتجاه الانفتاح والتوسع من بوابة التعاون الاقتصادي انطلاقاً من القمم العربية ـ الخليجية الصينية في السعودية، الشراكة من أجل التنمية وتحقيق السلام بالاقتصاد.. يمكن للصين لعب دور إيجابي بالحرب في السودان، على غرار وساطتها بين إيران والسعودية، والوساطة القائمة في الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ولذلك يجب على الصين التحرك سريعاً حرصاً على استقرار المنطقة والعالم وطريق الحرير، واستخدام نفوذها الاقتصادي في السودان بوساطة بين أطراف النزاع. أما على المستوى الخارجي فكون الصين عضواً دائماً في مجلس الأمن يمكنها طرح مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب في السودانوإرسال قوات دولية عاجلة لتنفيذ قرار وقف النار وإرساء السلام”.
عقيل
وقال الصحافي رضوان عقيل: “لا قيادة مركزية قوية مؤهّلة لقيادة السودان وحتى الرئيس عمر البشير كان ضعيفاً واستخدم في الصراع الدولي، دور إسرائيل كبير في إشعال حرب السودان، هناك دور صيني ممكن باتجاه التهدئة مقابل الدور الاميركي الذي ساهم بإشعال الحرب، العامل القبلي أساسي في الحرب بالسودان والجزائر أكبر دولة ستكون هدفاً لحرب مقبلة”.
سرور
وقال الدكتور نبيل سرور: “التماسك الداخلي السوداني مناعة للأمن والاستقرار بالسودان، بحال استمرّت الحرب بوتيرتها المرتفعة، فإمكانية حسم الحرب صعبة وستفتح مزيد من التشظي وانهيار السودان لمصلحة الأميركيين لتقسيم السودان وقطع الطريق على الصين، التقارب الصيني السعودي أزعج الاميركي واستفاد من الثغرة السودانية، ليس من مصلحة الصين ضرب السودان وقطع طريق الحرير والحزام”.