ماذا يجري بين واشنطن وطهران؟
ناصر قنديل
غضبت واشنطن من الانعطافة السعودية نحو موسكو وبكين وتتويجها بالاتفاق مع إيران برعاية صينية، وغضبت أكثر من انفراد السعودية بقيادة مناخ عربي جديد نحو سورية، حيث تتمركز قوات أميركية، ويفترض أن يتم ضبط سياسات الحلفاء في مثل هذه الحالة تحت سقف الموقف الأميركي، لكن الرياض التي وصلتها الإشارات الاميركية الغاضبة وبعدها تمنيات تأجيل البتّ بدعوة الرئيس السوري الى القمة العربية، لما بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي الرياض، أصرت أن تنتهي الأحد من الأمر وجايك سوليفان يصل الاثنين الى الرياض.
وصل سوليفان وهدّد بفرض العقوبات على المؤسسات السعودية التي سوف تخرق قانون قيصر، وهو ما لم تفعله واشنطن مع خرق الرياض للعقوبات الأميركية على روسيا، وأكمل سفره الى تل أبيب، حيث كان بنيامين نتنياهو ينتظر بفارغ الصبر موافقة أميركية على عمليّة تردّ الاعتبار للقوة الإسرائيلية ومعها للمهابة الأميركية، بعدما كانت «إسرائيل» تتلقى تحذيرات أميركية من خطورة التصعيد خشية الانزلاق إلى حرب تخرج عن السيطرة.
هذه المرّة وافقت واشنطن على عملية اغتيال قادة حركة الجهاد الإسلامي وفق حسابات تقول إن كيان الاحتلال سوف يتمكن من تحمل الدماء والآلام اللازمة للتخلص من حركة الجهاد، وهذا سوف يفرض تغييراً على المناخ الإقليمي فتتوقف عملية الاندفاع نحو إيران في المنطقة، وفق معادلة إظهار أن محور المقاومة ليس بالقوة التي يظنها الآخرون وأن أميركا وإسرائيل ليستا بالضعف الذي يعتقدون، والآخرون هم السعودية وتركيا ومن يسير وراءهما نحو إيران.
انتهت معركة ثأر الأحرار بغير ما يشتهي سوليفان ونتنياهو، وكان لمفهوم وحدة الساحات دور حاسم في فرض مسار المعركة. وجاءت مناورة العبور بعدها لتقول إن الذهاب إلى المواجهة سوف يحمل تغييراً في الجغرافيا وليس فقط تهديداً بالنار، فلم يتبقّ في الكيان سوى الكلام الفارغ من المضمون، وكان على واشنطن التي تدرك أن نظرية انتظار نتائج حرب أوكرانيا باتت تنطوي على كارثة مع فشل التحضير لهجوم أوكراني برّي معاكس والاستعاضة عنه بعمليات استعراضية إعلامية تخفي العجز، وصارت الخيارات محدودة، حيث اللجوء إلى القوة لفرض المعادلات السياسية سحب من التداول مع الانسحاب من أفغانستان، والعقوبات استنفدت مفعولها مع نتائج فرضها على روسيا وما ظهر في الاقتصاد العالمي منذ ذلك التاريخ، ولم يتبق الا التحرك في السياسة، أو ما يسمّيه الأميركيون مسار الاحتواء الدبلوماسي.
على الطاولة والشاشة معلومات واضحة تقول إن المنطقة ترسم معالم نظام إقليمي جديد، ينتج كل يوم تطوراً، بحجم ضمان أمن الملاحة عبر تنسيق بحريّ ليس الأميركيون جزءاً منه، ومعلومات موازية تقول إن إيران تمضي قدماً في التخصيب المرتفع لليورانيوم وتخزين المخصب، وإن واشنطن العاجزة عن الإعلان عن العودة الى الاتفاق النووي الأصلي مع إيران، يمكنها الذهاب الى اتفاق غير معلن، يعلّق العقوبات ويُعيد الأموال المحتجزة لإيران، مقابل وقف التخصيب والتخزين، ضمن اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ما يجري يقول إن هذا ما يحصل، من الإفراج عن المليارات السبعة لحساب إيران التي كانت محتجزة لدى كوريا الجنوبية، إلى ما صدر من إيجابيات عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التعاون الإيراني وطي الملفات العالقة، وصولاً للكلام الاسرائيلي العالي عن خطر البرنامج النووي الإيراني وتنظيم زيارة خاصة إلى واشنطن تحت هذا العنوان، كما كل مرة يكون فيها تقدم إيراني أميركي، والجواب الأميركي بزيادة المساعدات المالية والتقنية والتأكيد على الالتزام بأمن «إسرائيل»، ولكن مع التأكيد على أن واشنطن تعتقد أن الدبلوماسية هي المسار المناسب لمنع امتلاك إيران سلاحاً نووياً، ومن منبر الأيباك، اللوبي الصهيوني الأميركي، والكلام لـ أنتوني بلينكن وزير الخارجية، يشبه كلام سلفه جون كيري يوم كانت الأمور تتجه نحو توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
النقاش تجاوز صدقية هذا الاتجاه في الملف النووي، وقد بات صعباً إنكاره، إلى السؤال عن المترتبات الإقليمية خصوصاً لجهة مستقبل القوات الأميركية في سورية وسياسة العقوبات على سورية، مع تحرّك الجماعات التي تعمل تحت رعاية واشنطن من المعارضة السورية نحو مسار التفاوض، ومثله توجّه الجماعات الكردية نحو التفاوض مع دمشق، وفقاً لقاعدة إذا كان السباق مع الرياض نحو طهران، فلم لا يكون السباق مع أنقرة نحو دمشق، وواشنطن تبقى أقدر من حليفتيها، وتملك أوراقاً تضعها على الطاولة.