صورة “بريكس” الجديدة… مستقبل العالم الجديد القائم على التعددية والتشاركية والمنافع المتبادلة
حسن حردان
فيما الدول الغربية برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، منشغلة بمعظمها في مواجهة تحديات تنامي قوة الصين الاقتصادية على الصعيد العالمي، وعودة روسيا كقوة دولية ندية للولايات المتحدة في أكثر من منطقة في العالم، وفي الوقت الذي تغرق فيه أميركا وبعض حلفائها في أزمات تفاقم الديون، وانهيار بنوك، وأزمات تراجع معدلات النمو، والتضخم، وازدياد البطالة، وارتفاع الأسعار، والتي يفاقم منها الإنفاق الهائل على الحرب الأطلسية ضدّ روسيا في أوكرانيا، نشهد على الضفة الأخرى من العالم وتحديداً في الشرق المزيد من التحوّلات ذات الدلالات الهامة التي ترسم صورة مستقبل العالم الجديد. الذي بدأ يولد على أنقاض الهيمنة الأميركية الغربية الأحادية التي تصارع للاحتفاظ بهيمنتها، لكن دون جدوى، لأنّ الوقائع وموازين القوى الدولية الجديدة باتت أقوى من رغبات أميركا والغرب…
لا يمكن النظر الى اجتماع دول مجموعة “بريكس” الأخير في جنوب أفريقيا كمثيلاته من الاجتماعات السابقة، فهو يشكل محطة جديدة هامة، يمكن وصفها بالانطلاقة الثانية للمجموعة، لأنها تمهّد إلى إعلان انضمام دول جديدة إقليمية ومحورية، في القمة المقبلة، وتعتبر من الاقتصادات النامية والناشئة والقابلة للتطور ولعب أدوار اقتصادية وسياسية في العلاقات الدولية بسبب قدراتها ومواقعها الجيوسياسية الهامة.. وأبرز هذه الدول، التي حضرت في الاجتماع الأخير في إطار أصدقاء “بريكس”، وتقدّمت بطلبات للانضمام إلى “بريكس”: السعودية، الجزائر، مصر، الإمارات، البحرين، السنغال، سورية، السودان، تونس، تركيا، الأرجنتين، أفغانستان، بنغلاديش، بيلاروس، فنزويلا، زيمبابوي، إندونيسيا، إيران، كازاخستان، المكسيك، نيجيريا، نيكاراغوا، باكستان، تايلاند وأوروغواي.
وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور: “لقد دعونا إلى الاجتماع الحالي مع وزراء خارجية تلك الدول التي تظهر اهتماماً متزايداً بالانضمام إلى مجموعة بريكس، وما زلنا نناقش القضايا المتعلقة بالتطوير المؤسساتي لمجموعة بريكس، ونعتقد أنه من المهمّ عدم استبعاد تلك البلدان التي تسعى للانضمام إلى مجموعة بريكس من المناقشات”.
وأشارت الوزيرة إلى أنّ 13 دولة قدمت طلبات رسمية للانضمام إلى مجموعة بريكس، مضيفة: “نحن نأمل بأن يتمّ الانتهاء من الأعمال ذات الصلة بسرعة، وأن يكون المفهوم جاهزاً للنظر فيه خلال قمة بريكس التي تفتتح في آب المقبل في جوهانسبرغ”.
ماذا يعني انضمام هذه الدول إلى بريكس وتوسع المجموعة التي تضمّ الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لتشمل 13 دولة جديدة…
أولاً: ثقل سكاني كبير
انضمام كتلة سكانية كبيرة إلى دول بريكس التي تضمّ أكبر دولتين من حيث عدد السكان هما الصين والهند، ليصبح بالتالي مجموع عدد سكان دول بريكس نحو 60 بالمائة من سكان العالم، أيّ بزيادة نحو 15 إلى 20 بالمائة، حيث أن الدول الـ 13 الجديدة التي ستنضمّ إلى بريكس يبلغ عدد سكانها ما يقارب المليار نسمة، وهذا يعني أنّ حجم استهلاك هذه الدول سيكون كبيراً جداً، ويؤدّي إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي لدول بريكس، اذ ما أخذنا بالاعتبار ازدياد حجم التبادل الاقتصادي والمشاريع التنموية وبالتالي حجم تنامي القوة الشرائية في هذه الدول…
ثانياً: ثقل في امتلاك الثروات
سوف تستحوذ “بريكس” على أكبر قدر من الثروات النفطية والغازية، والمعادن في العالم، بعد انضمام الدول الـ 13 إليها وستكون هي الأغنى في العالم، والمتحكمة بالإنتاج العالمي وأسعاره، لأنّ هذه الثروات هي الأساس في تحديد أسعار السلع المنتجة، ما يزيد من قوة منافستها للسلع المنتجة في الدول الغربية وبالتالي قدرتها على اكتساح الأسواق العالمية كونها تحوز على مواصفات الجودة والسعر الأرخص بالنسبة للمستهلك…
ثالثاً: ثقل عسكري
تملك دول بريكس القوة والقدرات العسكرية التي تضاهي القوة والقدرات الغربية، فإلى جانب القوة العسكرية المتطورة لكلّ من روسيا والصين، هناك العديد الدول التي تمتلك قدرات وإمكانيات على صعيد صناعة السلاح والاستحواذ على القدرات العسكرية، الأمر الذي يخلق توازناً للقوى العسكرية عالمياً يلجم إمكانية اندلاع حرب عالمية مدمّرة، خصوصا أنّ الجميع يحوز على ترسانات ضخمة من الأسلحة النووية.
رابعاً: المواقع الجغرافية الحيوية
تحوز الدول ستنضمّ إلى مجموعة بريكس على مواقع جغرافية حيوية بالنسبة للعالم، يمكن مجموعة بريكس من الاستحواذ على تأثير هامّ على الممرات والمضائق المائية الدولية، وطرق المواصلات البرية، وبالتالي يكسر احتكار أميركا والدول الغربية السيطرة والتحكم بهذه الممرات والمضائق والطرق…
من هنا ربطت مجلة “نيوزويك” الأميركية بين محاولات التوسع في عضوية بريكس، وانضمام دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وذكرت المجلة الأميركية أنّ المحاولات الصينية تأتي لضمّ، دول مثل، إيران والسعودية لمجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وذلك لتحقيق نوع من “التوزان الجيوسياسي” العالمي من خلال استقطاب “خصمين مؤثرين في الشرق الأوسط” هما السعودية وإيران..
فكيف والحال اذا ما انضمّت دول أخرى هامة، مثل تركيا، الجزائر، المكسيك، الأرجنتين، فنزويلا، باكستان، نيجيريا، إندونيسيا وكازخستان إلخ… فهذا يعني تكريس وتعزيز انتقال مركز الثقل في الاقتصاد العالمي من الغرب الى الشرق، وانتهاء إلى غير رجعة زمن الهيمنة الاقتصادية الأميركية الغربية، واستطراداً زمن الهيمنة السياسية والعسكرية، انطلاقاً من قاعدة أساسية، وهي أن الاقتصاد هو قاطرة السياسة، وهو القوة الأساسية التي تشهد على صعود امبراطوريات ودول، وهبوط وانهيار، وحتى اضمحلال امبراطوريات ودول كانت في زمن من الأزمان تتربع على القمة…