«سلامة الجليل» والاتجاه المعاكس بين اجتياح 1982 ومناورة 2023
} خضر رسلان
بحسب دراسة نشرتها مجلة «معراخوت»، الصادرة عن منشورات الجيش الإسرائيلي، فإنّ بيان إعلان الحرب، الصادر عن حكومة الكيان الإسرائيلي يوم 6/6/1982 وقرار اجتياح لبنان تحت عنوان «حرب سلامة الجليل» كان الدافع الأهمّ فيه تدخّل «إسرائيل» في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 وتدمير الوجود الفلسطيني المُسلّح. وتشير الدراسة إلى أنه في مطلع 1976 وبعد وساطة أميركية، اتفقت «إسرائيل» مع حلفائها اللبنانيين على مدّهم بالسلاح وتدريب ميليشيات تابعة لهم، بغية دعمهم ضدّ الفصائل الفلسطينية والأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية.
أرييل شارون الذي عُيّن في آب 1981، وزيراً للدفاع، رأى أنه لا بدّ من شنّ عملية عسكرية واسعة أهدافها تأمين سلامة القاطنين في الجليل، والذي لا سبيل له إلا من خلال القضاء على القوى العسكرية المقابلة سواء منها اللبنانية أو الفلسطينية وإخراج القوات السورية نهائياً من الأراضي اللبنانية، ومن ثم إبرام معاهدة سلام مع لبنان بعد فرض سيطرة حلفائها على هذه الدولة.
اعتقد الصهاينة انّ «سلامة الجليل» قد تحققت على اثر إنجاز الاجتياح بعد تكليف الجيش «الإسرائيلي» بمهمة إخراج جميع مستوطنات الجليل من مرمى نيران «الإرهابيين» وأطلق على العملية اسم: «سلامة الجليل».
المؤرّخ الصهيوني يغآل كيبنيتس، في كتابه: «1982 – في الطريق إلى حرب لبنان» يرى أنّ جميع الأهداف الخفية التي وُضعت لحرب 1982 كانت مستقاة من عقيدة بيغن ومن رؤيته السياسية، ونظريته التي تتحدّث عن أهمية التحالف مع الأقليات في الدول المجاورة ومنها لبنان بعد القضاء على القوى المعارضة لها وإخراج السوريين منه ومن ثم يجب انتخاب رئيس جمهورية موالٍ لـ «إسرائيل»، وتوقيع اتفاق سلام مع لبنان .
بعد نيّف وأربعين عاماً على عملية سلامة الجليل والاجتياح الصهيوني للأراضي اللبنانية الذي رافقه الكثير من المجازر وقتل وتهجير المدنيين وتدمير البنى التحتية هل استطاع الغزاة تحقيق أهدافهم وضرب جذوة المقاومة في لبنان وإدخاله في الفلك الصهيوني؟ بل هل استطاعوا تحقيق الحدّ الأدنى لأهدافهم وتبديد هواجس مستوطنيهم؟ أسئلة عديدة يكاد الكثيرون من الصهاينة قبل الإجابة عليها يتمنون لو انّ التاريخ يعود الى ما قبل اجتماع حكومة الكيان التي أعلنت الحرب يوم 6/6/1982 لأنّ هذا الإعلان في ذلك التاريخ كان بداية التحوّلات على جميع الأصعدة لا سيما الثقافية والأمنية والسياسية والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
1 ـ المستوى الثقافي: انقلاب الصورة
أ ـ نظرية الجندي الذي لا يُقهر، والتي سادت منذ نكبة فلسطين عام 1948، تمّ قهرها في لبنان وتثبيت صورته المهزوزة الخائفة التي تخشى الموت والمواجهة وتهرب من الجندية.
ب ـ بعدما كان المواطن الجنوبي يخشى مدّ الإصبع باتجاه «الإسرائيلي» أصبح يبني منزلاً على الشريط الشائك ويزرع حقوله تحت أنظار الصهاينة المرعوبين المتمترسين خلف الجدر.
2 ـ المستوى الأمني والعسكري
لم يعد بمقدور «الإسرائيلي» الذي اعتاد منذ قيام كيانه استسهال الاعتداء على المواطنين في دُورهم وحقولهم دون رقيب او حسيب ان يستمرّ في غيّه وجبروته وذلك بعدما استطاعت المقاومة بناء القوة والاقتدار وفرض قواعد رادعة جعلت الجنوبيين أكثر أمناً واستقراراً، في حين بات المستوطنون يترحّمون على زمن صواريخ الكاتيوشا والغراد في ظلّ ما تيقنوه من اقتناء المقاومة للصواريخ الدقيقة والمتطوّرة فضلاً عن الإرادة الصلبة والبيئة الحاضنة القوية.
3 ـ المستوى السياسي
اعتقد الصهاينة انّ عملية سلامة الجليل سوف تخرج لبنان من المعسكر المعادي لهم وأنه سيكون البوابة الرخوة التي يلجون من خلالها الى سائر الأقطار العربية تمهيداً لإنهاء القضية الفلسطينية، إلا انه ومرة أخرى استطاعت المقاومة وجمهورها من جميع الطوائف إسقاط الأهداف الإسرائيلية، وبدل ان يكون لبنان باباً للتطبيع وتنفيذ الأجندة «الإسرائيلية» أصبح مثالاً يُحتذى في المقاومة والصمود وقهر الغزاة وبناء منظومة القوة والاقتدار.
لا شك انّ عدد السنين التي تفصل بين عملية سلامة الجليل في العام 1982 ومناورة كسارة العروش عام 2023 لا يُعتبر كبيراً في قياس الزمن الا انّ التطورات التي حصلت وانقلاب الصورة الذي وقع يجعل الفارق لا يقاس، فشتان ما بين زمن المناورات «الإسرائيلية» في السنوات البائدة التي كانت تحاكي الهجوم والاجتياح للأراضي اللبنانية وبين هذا الزمن الذي جلّ ما يقوم به الصهاينة القلقون الى حدّ الرعب على سلامة مستوطني الجليل، مناورات دفاعية تحاكي استيعاب وصدّ هجوم لمقاومة أخذت العهد على نفسها وأمام شعبها أنها في الوقت الذي تقف فيه على الثغور لحماية شعبها وردّ اعتداءات الصهاينة فإنها تعدّ العدة وتستعدّ لعبور يمرّ من الجليل ولن يقف عنده، فالعبور هو الممرّ الذي يؤدّي الى بلوغ الهدف وقرع أجراس القدس ومآذنها.