ماذا تغير خارجيا وداخليا حتى انقلب اللقاء الديمقراطي؟
ناصر قنديل
لا يمكن اعتبار موقف اللقاء الديمقراطي بالانضمام إلى مؤيدي ترشيح الوزير جهاد أزعور، أمراً عادياً يكفي لتفسيره القول بالسعي للتوافق، أو أن اللقاء كان سباقاً بطرح اسمه. فنحن على أبواب جلسة انتخابية سيتم خلالها التصويت على انتخاب رئيس جمهورية وهناك مرشح اسمه الوزير السابق سليمان فرنجية، ومرشح اسمه الوزير السابق جهاد أزعور، ودعوة التوافق لا تستقيم مع خيار التصويت لأحدهما، طالما أن التصويت ليس مشروطاً بنتيجة الحوار، لأن قرار التصويت يعني أن المطلوب هو الحوار على خلفية الإخلال بموازين القوى نيابياً، عبر توفير ما يكفي من الأصوات لجعل ترشيح الوزير جهاد أزعور ضمن خط بياني تصاعدي، أي ربط الحوار بنتيجة قرار التصويت بدلاً من ربط التصويت بنتيجة الحوار.
لا يمكن أيضاً الفصل بين الخيار المستجدّ عند اللقاء الديمقراطي منذ مغادرته خيار التصويت لصالح المرشح ميشال معوّض، وبين تغيير ليس خافياً في الموقف الفرنسي والموقف السعودي بتفاهم واضح مع الموقف الأميركي، الذي يحلّ وزير خارجيته أنتوني بلينكن ضيفاً على السعودية، ويرسم مع قيادتها صورة تفاهمات وتسويات، تطال الكثير من عناصر مشهد المنطقة، تحقق عبره السعودية، العديد من المكاسب لصالح تموضع أميركي فرنسي الى جانب خياراتها، واقتراب من صيغ وسطية في خيارات أخرى، فيما يبدو أن واشنطن المهتمة أكثر بتوفير شبكة أمان أقوى لصالح «إسرائيل»، وضعت يدها على إدارة الملف الرئاسي في لبنان، على قاعدة التخلي عن ترشيح قائد الجيش والسير بترشيح جهاد أزعور، بهدف إقامة توازن بوجه المقاومة، كحد أعلى، أو إقامة توازن الاستعصاء الرئاسيّ كحد أدنى، ريثما يتمّ التوصل الى تسوية ترسم قواعد الاشتباك المتصلة بمستقبل الصراع مع كيان الاحتلال.
الواضح أن اللقاء الديمقراطي قرّر أن يلعب دور بيضة القبان بطريقة مختلفة هذه المرّة، وبدلاً من أن يكون بيضة القبان التي تعكس نتاج التوافقات، فتشكل ضمانة صيغة رابح رابح وتحول دون صيغة رابح وخاسر، قرّر أن يكون بيضة القبان في نقل ترشيح أزعور من توازن الاستعصاء الذي يفرض فتح باب الحوار، الى خيار قابل لإنتاج صيغة رابح وخاسر، لفرض الحوار تحت تهديد موازين قوى جديدة تفتح أمام أزعور طريق الوصول الى بعبدا كفرضية تملك هذه المرة فرصاً مختلفة.
ثنائي حزب الله وحركة أمل ومؤيدي ترشيح الوزير فرنجية، يدركون حجم التحوّل، وهم يدرسون كل الخيارات، ومنها خيار عدم فتح الباب لتفاوض المكاسرة، ووضع الذين يتحدثون عن حوار تحت النار أمام أصعب الاحتمالات، خصوصاً اللقاء الديمقراطي والتيار الوطني الحر، وقد صار واضحاً أن خيار أزعور لم يكن خياراً محلياً، وأن إجازته الفريدة من مسؤوليته في صندوق النقد الدولي تمّت بطلب أميركي كاستثناء غير مسبوق في عمل الصندوق، وأصعب الاحتمالات ليس تعطيل النصاب، بل فتح طريق الفوز أمام جهاد أزعور، ليتحمّل حلف القوات اللبنانية والتيار الوطنيّ الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وقوى التغيير، مسؤولية إدارة شؤون البلاد، من إعادة الودائع، إلى ضمان سعر صرف الليرة، إلى إعادة النازحين، أما المقاومة فهي ليست قلقة على سلاحها ولا تريد رئيساً يحميها، ومَن يرغب بطعنها في ظهرها فليجرّب حظه إن كانت لديه القدرة، فليذهبوا لدعواتهم لحوار المكاسرة إلى وجهة أخرى، وليحكموا وحدهم، ويقولوا لناسهم عن كيفية مكافحة الفساد ومَن هي المنظومة الحاكمة ومَن منهم ثائر وعلى مَن، ومَن منهم إصلاحي وبوجه مَن؟
من الخيارات التي تدرس أيضاً تعطيل نصاب الدورة الثانية، خصوصاً إذا بقيت الأصوات التي تم تجميعها لصالح أزعور تحت سقف مقبول، يتيح للوسيط الفرنسي ومبعوثي بكركي القول إن البلد لا يزال في الاستعصاء وإن لا حل إلا بالحوار.