هل تكرر تجربة فرنجية مسيرة وصول عون: من تحرير حلب الى تحرير إدلب والقامشلي؟
ناصر قنديل
لا أحد يستطيع القول بعد الدورة الانتخابية الأولى يوم الأربعاء، لو تمّت الدورة الثانية لفاز مرشحي. فالمنطق البسيط في ظل التنافس القائم أن من يستطيع حشد الـ 65 صوتاً في الدورة الثانية يجب أن يستطيع تظهيرها في الدورة الأولى ويقول عندها لو تمت الدورة الثانية لفاز مرشحي. وهذا لا يعني أنه يستطيع اعتبار الفوز محققاً لأن الطرفين قالا بالقوة ذاتها أنهما لن يتورّعا عن تعطيل النصاب إذا لاحت فرصة نيل المنافس أغلبية الفوز في الدورة الثانية. فمن يتفادى تسديد ثمن تجميع الأغلبية اللازمة للفوز لا يستطيع أن ينال الرئاسة بلا أثمان إلا إذا استطاع تأمين الثلثين للنصاب بتحالفاته.
من اليوم حتى الأربعاء سيتحدّث جماعة تقاطع جهاد أزعور، ويقولون إنهم يضمنون تصويت أكثر من 65 صوتاً، لكنهم يعلمون علم اليقين أن هذا لن يحدث، وفوقه يعلمون أنه إن حدث لن يعني نهاية الطريق لأنه من دون تفاوض لا تأمين للنصاب الذي يأتي بالرئيس. والتفاوض لن يبقى على تأمين النصاب لمرشح معين، بل سيكون على اسم المرشح الذي سوف يؤمن له النصاب ويمنح فرصة الانتخاب، ولذلك لا حاجة لتضييع الوقت في حساب الأصوات، فكيف إذا علمنا أن الفريقين اللذين منحا التصويت للمرشح أزعور زخماً، وهما التيار الوطني الحر واللقاء الديمقراطي، ظهرا أمس مرتبكين يرسلون الرسائل والتطمينات والعروض، وهما يخشيان أن يقدّم الثنائي ومؤيدي ترشيح سليمان فرنجية على خطوة الذهاب الى الدورة الثانية وترك المجال لتجميع الـ 65 صوتاً لأزعور، تحت سقف المباركة للخصوم بالفوز وقرار البقاء خارج الحكم. وفي الخلفية كانت العواصم المهتمة التي شكلت التقاطع الخارجي على ترشيح أزعور، تجري الاتصالات لتفعل الشيء نفسه، أي التحقق من أن أزعور لن يفوز، وأن الدورة الثانية لن يكتمل نصابها، وأن الثنائي ومؤيدي فرنجية لن يقفلا باب التفاوض.
الخلاصة هي أن الأربعاء جولة جديدة تشبه سابقاتها، بلا رئيس، وأن الخارج والداخل لم يجهزا بعد لإنتاج رئيس، وأن ما جرى هو تحسين شروط التفاوض بنقل اللقاء الديمقراطي مجدداً من الوسط الى تقاطع أزعور بجهود فرنسية سعودية، بعدما تمّ نقل التيار الوطني الحر إلى تقاطع أزعور بجهود قطرية. ولا يلغي هذا أن تكون أدوات الإقناع قد استخدمت تذكير الفريقين بأن اسم أزعور موجود في اللائحة المقترحة من الفريقين، لكن لا التقاطع الخارجي ولا التقاطع الداخلي جاهز لإيصال أزعور الى الرئاسة وجعله موضوع التفاوض. فالتفاوض حول شروط التخلي عن أزعور لا يزال هو المعروض، علماً أن أزعور بنظر مؤيدي فرنجية أفضل من البدائل المعروضة، ليس لأن شخصه أفضل من أشخاص الآخرين، بل لأن المعنى السياسي لفوز الآخرين، يعني أرباحاً خالصة لمن لا يريد مؤيدو فرنجية تركهم يربحون بعد ما فعلوا. بينما إذا كان الخيار بترك الباب لفوز أحد غير فرنجية، فإن فوز ازعور سيتكفل بإدخال الحابل بالنابل في صفوف المتقاطعين، ولن يكون ربحاً لأحدهم، ولذلك يتهرّبون من فوزه، ويسعون للمقايضة على رأسه، وبالتأكيد مناقشة فرضية فوزه من باب السجال المجازي، وليست لأن أحداً من مؤيدي فرنجية يفكر بتغيير موقفه، أو يعتقد أن موازين القوى غير مناسبة، وتجربة ترشيح العماد ميشال عون بقيت لمدة سنتين تقدّم وقائع سلبية، قبل أن تتغير المعادلات وتنفتح الأبواب لانتخابه رئيساً.
التفاوض لم يعُد بيد الداخل، ولو توهّم بعض الهواة أنهم قادرون على التفاوض، وهم كانوا كذلك قبل التقاطع ولم يعودوا كذلك بعده، فقد صار للتقاطع أب شرعي، ينضبط تحت أمرته الداخل المتقاطع والخارج المتقاطع، وهو قادر على تعويض اهتزاز أي من المتقاطعين بسواه، والأميركي هو هذا الأب الشرعي، الذي لا يريد تفاوضاً على الداخل، بل على قواعد اشتباك على الحدود، لن تقبل المقاومة بالتفاوض عليها، وهو بعدما سدّد أثمان تفويضه من المتقاطعين في الداخل والخارج مقابل الحصول على التفويض الحصري للتفاوض، لم يعد معنياً بما يقولون، فهو سدّد وعوداً يستطيع التراجع عنها إن تراجعوا، وهم رهائن هذا الالتزام. وهذا يعني أننا بسبب هذه الحسابات التقاطعية دخلنا زمن انتظار في الفراغ سوف يطول أكثر مما نتوقع.
لا مرشح يحصل على 65 صوتاً في الدورة الأولى، ولا دورة ثانية، والانتظار بعدها لشهور. هذه هي الصورة. والأميركي سيبدأ بإرسال العروض من نوعين، عروض مرشحين يشكلون بذاتهم ضماناً لقواعد الاشتباك التي يريدها على الحدود، وعروض قواعد الاشتباك مقابل تسهيل وصول المرشح سليمان فرنجية، والأبواب لن تنفتح لهذه أو لتلك. فالوقت في المنطقة لا يعمل لصالح الأميركي، وهو اشترى كارت اللعبة اللبنانية من السعوديين مقابل التراجع عن التشدّد في مواجهة سياساتهم في المنطقة، خصوصاً مع إشارات تقول بأنه بدأ بمراجعة سياساته الفاشلة وطريقها المسدود، سواء تجاه إيران وملفها النووي، او تجاه سورية ووجود الاحتلال الأميركي في أرضها أو العقوبات عليها، والشهور القادمة ستحمل الكثير من المتغيّرات في المنطقة. والأميركي بعدها لن يكون كما هو قبلها، وصبر المقاومة طويل، ما دام الآخرون تحت شعار الاستعجال قرروا رهن مستقبل الرئاسة للحسابات الأميركية.
إذا كان دخول الجيش السوري إلى حلب شكل كلمة السر في مسار ترشيح العماد ميشال عون خارجياً وداخلياً، وصولاً لجعله رئيساً على إيقاع هذا التحول، فلننتظر دخول الجيش السوري إلى إدلب والقامشلي، وانتهاء الاحتلال والكنتونات شمال شرق وشمال غرب سورية، ورفع العقوبات، وفتح طريق عودة النازحين وإعادة الإعمار في سورية، ونسأل في مسابقة علنية في برنامج مَن سيربح المليون، (بالإذن من الصديق معالي الوزير جورج قرداحي)، مَن سيكون رئيس الجمهورية، ولماذا سيكون أول حرف من اسمه سليمان فرنجية؟
الساسة أحرار في الانتحار، والروليت الروسية متاحة للجميع، لكن الرئاسة في لبنان حيث المقاومة لاعب حاسم ليست لعبة بوكر، ولا شطارة من يُخفي ورقة رابحة. فهذه معركة مصير، قد تشبه لعبة ليست البوكر قطعاً، بل الشطرنج، حيث هناك لاعب يحاصر بالقلعة والوزير ملك الخصم، ويخرج دائماً وهو يقول للآخرين، كش ملك، أما الآن فبلغة الشطرنج الوقت للتبييت، أي تبادل المواقع بين الملك والقلعة بانتظار نقلة جديدة، والمحترفون هم مَن يفهمون القصد في السياسة فقط.