«الائتلاف البحري» ومركزية الدور الإيراني في ضمان أمن المنطقة واستقرارها
} نمر أبي ديب
بعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية الصين، وخروج السياسات العربية من أجواء ومفاعيل التصادم السياسي والعسكري مع دول المواجهة في كلّ من سورية واليمن والعراق وغيرها من دول المنطقة، يأتي الكشف الإيراني عن إمكانية قيام «إئتلاف بحري» مع دول المنطقة، ضمن إطار الترجمة الميدانية لأجواء التقارب العربي مع طهران، وخروج ميداني من مفاعيل التراكم السلبي الذي خلفته سنوات العداء التاريخي في بعديه المباشر وغير المباشر الرافض في حينه لأيّ شكل من أشكال التقارب السياسي العسكري وحتى الدبلوماسي في مشهد إقليمي «متدرّج الأولويات» سقطت «مسبّباته التاريخية والسياسية» على طاولة الاتفاق الإقليمي بين السعودية وإيران، وأيضاً في ضمنية الإعلان الإيراني المتقدّم عن إمكانية قيام ائتلاف بحري ضامن لأمن المنطقة واستقرارها، حسب تعبير قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني الأدميرال شهرام إيراني، الذي أكَّد على جملة عوامل ميدانية ومسلّمات إقليمية من بينها تطوير التحالف الثلاثي، الجامع ما بين إيران وروسيا والصين، ضمن سلسلة إشارات «عسكرية بحرية» عكست استراتيجيات الدور المحوري الفاعل والمتقدّم للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالنسبة لدول منطقة شمال المحيط الهندي، التي باتت تعتقد أنه ينبغي عليها العمل والوقوف مع طهران لتحقيق الشراكة الأمنية الضامنة في حده الأدنى للاستقرار المنطقة.
هنا يجدر التوقف أمام الانعكاسات الإقليمية في الدرجة الأولى وجملة الأبعاد الاستراتيجية المتوقفة في الشكل على الجهة الإقليمية المعلنة للخبر، وفي المضمون على الاستعداد الاقليمي لتشكيل ائتلاف بحري يشمل قطر والسعودية والبحرين والإمارات والعراق وصولاً لكلّ من الهند وباكستان.
الجدير في الذكر دخول «قطر» نفق الشراكة الأمنية مع طهران، في مراحل الالتحاق السياسي العسكري والأمني لدول المخاصمة العربية مع سورية بالانتظام السياسي/ الأمني الجديد، في مشهد مؤسس لمتغيّرات جوهرية تتعلق بأساس البيئة الحاضنة عربياً لمختلف الجماعات التكفيرية، التي شهدت سورية أحد أبرز فصولها العبثية والتدميرية كما هو حال العراق ومعارك الجرود اللبنانية.
الحديث عن «ائتلاف بحري» كفيل بوضع المنطقة بكامل مكوناتها السياسية والعسكرية أمام انتظام أمني جديد تؤكد من خلاله مُجمل القوى المعنية بـ «الائتلاف» على معادلتين:
ـ سحب المظلات العربية الحاضنة لمختلف المنظمات التكفيرية الفاعلة على الجبهتين «السورية والعراقية».
ـ رفع سقف المواجهة السورية مع الحضور «الغير شرعي» لكلّ من تركيا وأميركا، على قاعدة قوى خارجية غربية، غير مشرَّع حضورها «الأمني وحتى العسكري» من قبل الجمهورية العربية السورية، وفي هذا تطوّر محتمل قد يتلاقى من زوايا مختلفة مع ما أدلى به الأدميرال شهرام إيراني حين أكَّد بأنّ المنطقة سوف تخلو قريباً من أيّ «قوة خارجية» غير مبرّر تواجدها الأمني وحتى العسكري، مؤكداً على أنّ شعوب المنطقة هي المسيطر الوحيد في مجالات أمنها.
بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، تجدر الإضاءة اليوم في «الأمن والسياسة» على الفراغ الاستثنائي الذي خلفه القرار العربي السابق القائم على عدم التنسيق السياسي وحتى الأمني مع طهران، كما تجدر الإشارة إلى الفارق الاستراتيجي الذي يفترض أن تضيفه الجمهورية الإسلامية في إيران انطلاقاً من مفاعيلها البحرية وأيضاً من ملفها النووي على المشهد الإقليمي برمته، على أمن المنطقة أولاً، واستقرار الدول المشاركة في «الإئتلاف البحري» كما غيرها من الدول الإقليمية الغير مشاركة، انطلاقاً من معادلة «الأمن للجميع» وطهران في هذه المرحلة «ضمانة إقليمية» سواء في اتفاقها السياسي مع المملكة العربية السعودية أم على مستوى معابر المنطقة الإلزامية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية في مقاربة الأمنين «العالمي والإقليمي» لما تمثل طهران تحت سقف «الاتفاق النووي» من ضمانة مضافة «للوجود الأميركي» الفاعل في المنطقة، وأحد أبرز عناصر ومكونات الجزء الثاني من مسلسل «الائتلاف البحري» الضابط لسياسات المنطقة والعديد من مفاعيلها العسكرية وأقصد «الاتفاق النووي».
في سياق متصل قد يكون الكلام الصادر عن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية مارك ميلي هو الأبلغ في السياسة العالمية وعسكرة المواقف حين تحدث بإسهاب عن مخلفات سقوط «جدار برلين»، عن انتهاء زمن الأحادية الأميركية والدخول في عالم متعدّد الأقطاب مع ما لا يقلّ عن ثلاث دول عظمى هي الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، الثنائية الدولية التي تعمل مع طهران على تطوير الشراكة البحيرية كما أفاد الأدميرال شهرام إيراني، ما يؤكد اليوم على ولادة حتمية لـ «شرق أوسط جديد» بمعايير سياسية، عسكرية، أمنية، مختلفة ذات بعد استراتيجي متمثل بالائتلاف البحري القابل للتمديد وأيضاً للتطوير انطلاقاً من دول إيران وقطر والسعودية والبحرين والإمارات والعراق…