الذهاب إلى التسوية أو استمرار الفراغ
} حسن حردان
أخفق المجلس النيابي اللبناني مجدّداً في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعكست نتائج الجلسة الـ 12 فشل القوى التي تقاطعت على دعم انتخاب الوزير السابق جهاد أزعور، رغم للاستنفار الاستثنائي، لتأمين دعم 65 صوتاً لأزعور، فإنّ الأخير نال 59 صوتاً، فيما حصل الوزير السابق سليمان فرنجية على 51 صوتاً، الأمر الذي أشر الى التوازن القائم في البلاد، واستحاله نجاح أيّ فريق في إيصال المرشح الذي يدعمه من دون التوافق الوطني…
لكن ما لم يتوقعه داعمو أزعور أن يحصل على ما دون الـ 60 صوتاً… في حين كشف بعض نواب من يسمّون بالتغييريين اصطفافهم إلى جانب التصويت لابن المنظومة السياسية الفاسدة!
على انّ النتائج التي تمخضت عن جلسة الانتخاب الجديدة، أكدت ما يلي:
أولاً، انّ حملة دعم أزعور فشلت في تأمين حصوله على 65 صوتاً لاستخدامها وسيلة للقول إنه الرئيس الذي حصل على الأغلبية، وبالتالي محاولة تسويقه على أنه الفائز، وانّ الفريق الداعم للوزير فرنجية يرفض التسليم بالنتيجة الديمقراطية، لهذا عطل نصاب الجلسة الثانية لمنع انتخاب أزعور رئيساً…
ثانياً، انّ هذا الفشل في محاولة فرض أزعور كرئيس أمر واقع من قبل قوى 14 آذار وبدعم أميركي واضح، ظهر من خلال إشهار سلاح العقوبات ضدّ رئيس المجلس نبيه بري، أنّ هذا الفشل حصل رغم استفادة هذه الأطراف من تصويت التيار الوطني الحر، مما يؤشر إلى أنها أخفقت في هدفها محاولة اقتناص الفرصة لتأمين حصول أزعور على 65 صوتاً…
ثالثاً، فشل القوى التي تقاطعت على التصويت لأزعور، في محاولة إسقاط ترشيح فرنجية من خلال محاولة إظهاره أنه حصد أصواتاً لا تقارن بتلك التي حصل عليها أزعور، لكن نتيجة التصويت جاءت على عكس ما تشتهي هذه القوى حيث نال فرنجية 51 صوتاً الأمر الذي شكل صدمة لهذه القوى التي كانت تتوقع حصوله على رقم لا يتجاوز الـ 47 صوتاً.
رابعاً، انّ هذه النتيجة عكست توازن القوى القائم، وعدم امتلاك ايّ فريق القدرة على فرض مرشحه، وانّ السبيل لانتخاب رئيس يتطلب سلوك الحوار للتوافق على انتخاب رئيس يقبل به الجميع كما حصل مع انتخاب الرئيس ميشال عون…
خامساً، إذا كان التوازن سيد الموقف وهو الخلاصة التي انتهت إليها الجلسات الـ 12 التي عقدت حتى الآن لانتخاب رئيس للجمهورية، فهذا يعني أن لا حلّ للخروج من الفراغ، واستمرار البلاد في حالة المراوحة، إلا عبر سلوك طريق الحوار للتوافق على تسوية سياسية يكون انتخاب الرئيس من ضمنها، وتشمل التسوية سلة كاملة تشمل الاتفاق على تقاسم السلطة: رئيس للجمهورية، رئيس للحكومة، وحاكم مصرف لبنان، وقائد الجيش.. ايّ العودة إلى صيغة التسوية التي كانت قائمة قبل انفجار الأزمة في 17 تشرين الأول سنة 2019.
ولأنّ التسوية هي السبيل لإنهاء الفراغ، طرح حزب الله منذ البداية صيغة التسوية المقبولة، وعنوانها: سليمان فرنجية رئيساً، مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة إلخ… وحاول الفرنسي تسويق هذه التسوية، إلا أنّ الفريق الذي يسمّي نفسه معارضة عارض هذه التسوية واستنفر كلّ طاقاته لأجل محاولة إظهار قدرته على فرض رئيس يدين بالولاء له، ولهذا أعطي الفرصة لذلك، وكان الاتفاق على أزعور والتحرك لأجل حشد الأصوات المطلوبة له، وهو ما تجسّد في عودة قوى 14 آذار إلى التكاتف في ما بينها، مع ضغط على بعض النواب التغييريين، لكن النتيجة كانت مخيّبة لهم، ولهذا من المتوقع ان يُقال لهذه القوى: لقد حصلتم على الفرصة لإثبات قدرتكم على تغيير موازين القوى النيابية لمصلحتكم، لكنكم فشلتم، وتبيّن أنكم غير قادرين على إقصاء فرنجية أو فرض مرشحكم… ولهذا ليس أمامكم من خيار سوى قبول التسوية القائمة على تقاسم السلطة وعنوانها، سليمان فرنجية مقابل نواف سلام.. وإلا استمرار الفراغ القاتل الذي لا يريده كلّ حريص على إخراج لبنان من أتون الأزمة.