تقدير موقف: مؤتمر هرتسيليا وتهديدات قادة الاحتلال*
مع استعادة الفعل المقاوم في غزة والقدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات لزمام المبادرة تجسيداً لوحدة الأرض والشعب في مواجهة كيان الاحتلال الذي تعصف فيه الأزمات بشكل حاد وبين مختلف تياراته وأطرافه.
أطلق عددٌ من قادة الاحتلال ـ خاصة قادة الجيش ـ عدداً من التصريحات، حملت في مجملها تصعيداً وتهديداً ضدّ إيران وحزب الله وقطاع غزة، وتصاعدت معها التحليلات عن وجود مخططات إسرائيلية لعدوان جديد، سواءً ضدّ إيران أو الجبهة الشمالية أو قطاع غزة.
وجاءت معظم تصريحات قادة الاحتلال خلال مشاركتهم في مؤتمر هرتسيليا السنوي الـ 23، الذي ينظمه المركز متعدّد المجالات في هرتسيليا بشكل دوري كلّ عام منذ العام 2000، حيث يناقش المؤتمر مستقبل (دولة) الاحتلال ووضعها اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً ورصد الأخطار والتهديدات المحيطة بها من الداخل والخارج، تحت هدف استراتيجي هو “الأمن القومي الإسرائيلي”.
ومن هنا تنبع أهمية المؤتمر بحكم نوعية ومكانة الشخوص المشاركين فيه، والذي عادة ما يشارك فيه رئيس الحكومة، وكبار الوزراء، وقادة المعارضة، وقادة المؤسسة العسكرية والأمنية، وشخصيات أكاديمية ورجال أعمال وغيرهم، لذلك يعكس المؤتمر اتجاهات التفكير المختلفة لدى النخبة الإسرائيلية المتنفذة.
في ضوء ما سبق يجد قادة الاحتلال، خاصة قادة الجيش منهم، في مثل تلك المؤتمرات والتجمعات السنوية فرصاً لإظهار الذات وإبراز أنشطتهم وجهودهم، مع تقديم رؤاهم وخططهم المستقبلية في مواجهة مختلف التهديدات والتحديات على مختلف الجبهات، وليس بالضرورة أن تعكس توجهاً عملياتياً ضدّ أيّ جبهة من الجبهات، غير أنه من المهمّ الوقوف عند هذه التصريحات التي جاءت في ظلّ حالة من التوتر تشهدها المنطقة، وأبرز مؤشرات هذا التوتر ما يأتي:
1 ـ مناورة حزب الله في جنوب لبنان.
2 ـ جولة التصعيد الأخيرة في قطاع غزة، معركة ثأر الأحرار.
3 ـ استهداف أحد مواقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة على الحدود اللبنانية السورية.
4 ـ تصاعد الحديث داخل قوى المقاومة عن تشكل مبدأ “وحدة الساحات” أو “وحدة الجبهات”.
5 ـ تصاعد الحديث في الإعلام الإسرائيلي عن اقتراب إيران من الوصول إلى العتبة النووية.
6 ـ تصاعد الحراك السياسي في المنطقة باتجاه التصالح مع إيران، ونجاح السياسة الإيرانية في كبح جماح التوتر في المنطقة وإنجاز المصالحات.
كما تعكس تصريحات قادة الاحتلال تعاظم التحديات والتهديدات التي تواجه (دولتهم) على مختلف الجبهات، حتى بات ما يُعرف بـ “الحرب متعددة الجبهات” التحدي الأكثر تهديداً، وبات يشكل قلقاً كبيراً ومعضلةً حقيقيةً لمنظومة الاحتلال الأمنية والعسكرية.
في ضوء ذلك يمكن تصنيف التهديدات والتحديات التي تواجه كيان الاحتلال استناداً إلى تصريحات قادته، على النحو الآتي:
1 ـ البرنامج النووي الإيراني: يقف على رأس التهديدات التي تواجه كيان الاحتلال كتهديد وجودي، حيث يرى قادة الاحتلال أنّ إيران أصبحت قريبة من الوصول للعتبة النووية، وأنّ الوقت لا يعمل لصالحهم، في ظلّ استبعاد الولايات المتحدة الأميركية للخيار العسكري في مواجهة برنامج إيران النووي حالياً، ولذا باتوا يروّجون للسيناريو الذي يضطرون فيه إلى اللجوء للخيار العسكري بشكل منفرد رغم عجزهم عن تنفيذه أمام تعاظم القدرات الإيرانية.
2 ـ خطر اندلاع مواجهة شاملة على الجبهة الشمالية: وهو ما أطلق عليه قادة الاحتلال “حرب الشمال الأولى” وتشترك فيها إيران سورية وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو أحد التحديات أو التهديدات التي بدأت تتشكل بشكل أكبر منذ عام 2017 ونجاح سورية بدعم من حلفائها من الانتصار على الحرب الكونية وتجاوز تداعياتها.
3 ـ خطر اندلاع حرب متعددة الجبهات (إيران، سورية، لبنان، غزة، الضفة) حيث يقدّر قادة الاحتلال أنّ احتمالات هذا السيناريو بدأت ترتفع في ظلّ تشكل “محور المقاومة”.
4 ـ تهديدات قطاع غزة: يرى قادة الاحتلال أنّ تهديدات قطاع غزة تأتي في مرتبة متأخرة على سلم التهديدات التي تواجه كيان الاحتلال، غير أنها تعتبر من أكثر الجبهات تفجراً في ظلّ اتهامات الاحتلال للمقاومة في القطاع بالمسؤولية عن توجيه العمليات الفدائية في الضفة الغربية.
5 ـ تهديدات الضفة الغربية: تشير تصريحات قادة الاحتلال أنها تتوقع تراجع سلم التهديدات التي تواجه كيان الاحتلال، بحال حصول تراجع في عمليات المقاومة في الضفة الغربية؛ ويدعون إلى الإستمرار بـ عملية “كاسر الأمواج” بهدف ما يسمّونه تحييد عدد كبير من نشطاء المقاومة سواء عبر الاغتيال أو الاعتقال، وذلك حسب تقديرات قادة الاحتلال.
والتقدير تجاه هذه التهديدات بأنها تنطلق من شعور كيان الاحتلال بتقييد حركته نتيجة المعادلات وقواعد الاشتباك التي راكمتها المعارك مع فصائل وأحزاب ودول محور المقاومة وخاصة في معركة ثأر الأحرار، ويطلق قادة الاحتلال هذه التهديدات بهدف تصدير أزمات الكيان التي تكاد أن تتطور نحو حرب أهلية. وفي ظلّ إعتماد الكيان على استراتيجية الجدر الإسمنتية والنزول إلى الملاجئ وتكديس المؤن تتراجع احتمالية قيام كيان الاحتلال بخوض مواجهة على إحدى الجبهات في الوقت الحالي باعتباره أمراً أصبح معقداً وغير مضمون النتائج فكيف بحرب متعددة الجبهات.
وينظر قادة الاحتلال بقلق شديد إلى الالتفاف والاحتضان الشعبي للمقاومة وهذا ما تجسّد في معركة ثأر الأحرار وخلال مسيرات تشييع الشهداء في غزة والضفة الغربية وفي الشتات خلال تشييع شهداء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.
وهذا يرهب الكيان الذي يمتلك قوة عسكرية كبيرة ويمتلك طاقة تدميرية هائلة وترسانة من أحدث ما توصل إليه المجمع الصناعي العسكري العالمي، لكن العنصر الأهمّ من السلاح في الحروب هو من يستخدم هذا السلاح ومدى قدرة المجتمع وصلابته في مواجهة تداعيات حرب مفتوحة في الزمان والمكان بعيداً عن التهديدات النارية التي يطلقها قادة الاحتلال.
ومن تابع وقائع مؤتمر هرتسيليا الذي عقد في 22 و 23 أيار وما صدر عنه من مواقف وتصريحات متناقضة يدرك مدى الخوف والقلق المسيطر على قادة الاحتلال، وحيرتهم المفرطة في اتخاذ القرارات الآنية والروتينية فكيف بالقرارات الاستراتيجية، خاصة أنّ السيناريوات المتوقعة من أيّ حرب ستكون كارثية على كيان الاحتلال. وبناءً عليه فإنّ التقدير هو أنّ هذه التهديدات هي مجرد صراخ لإعطاء حقن مسكنة للمستوطنين، وهذا لا يلغي الحذر الدائم من العدوانية المتأصّلة لدى قادة الكيان الذي قد يذهب نحو الاستمرار بما يسمّى بالمعركة بين الحروب وضرب مواقع لقوى المقاومة وتنفيذ عملية اقتحام في الضفة الغربية تستهدف مخيم جنين والبلدة القديمة في مدينة نابلس دون القدرة على إحداث تغيير على أرض الواقع وفي الميدان الذي ستبقى الكلمة العليا فيه للمقاومة.
*قسم الدراسات في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
ـ القيادة العامة”