8 و14 آذار وبينهما التيار وجنبلاط
ناصر قنديل
منذ العام 2005 والانقسام الكبير الذي دخلته البلاد والحياة السياسية فيها، بين معسكرين، واحد مؤيد للمقاومة وحليف لسورية، وآخر مناوئ للمقاومة وعدو لسورية، على خلفية الزلزال الكبير الذي تمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري وقد سبقه صدور القرار 1559 المعادي لسورية والمقاومة، وتلاه انسحاب القوات السورية من لبنان، وحمل كل من المعسكرين اسم المسيرة الشعبية التي نظمها تحت شعارات تتصل بهويته السياسية، هما 8 و14 آذار، وبرز وجود موقع خاص في المعسكرين وخارجهما لكل من زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والتيار الوطني الحر ومؤسسه وزعيمه العماد ميشال عون.
عام 2005 كان كل من جنبلاط وعون في موقع تأسيسي للخيار المناوئ لسورية والمقاومة، فكان جنبلاط ركيزة نهوض معسكر 14 آذار، وكان عون ركناً في مواجهة الدور والوجود السوري في لبنان والغطاء اللبناني لولادة القرار 1559، الذي كان أركان ما سُمّي لاحقاً بقوى 14 آذار ينكرون العلاقة به ويعلنون رفضه عند صدوره. وكان الفريقان، على صلة بتجمع قرنة شهوان الذي تحوّل إلى قيادة المواجهة مع سورية والمقاومة، من موقع القرب والبعد بحسابات الاستقلالية، وخلال فترة ممتدّة من عام 2006 التي شهدت توقيع تفاهم 6 شباط بين حزب الله والتيار الوطني الحر والحرب الإسرائيلية على لبنان في 12 تموز، وصولاً إلى عام 2008 الذي شهد أحداث 7 أيار واتفاق الدوحة، شكلت مواقع عون وجنبلاط علامات فارقة في التحوّلات السياسية، حيث اقترب التيار الوطني الحر من قوى 8 آذار وغادر جنبلاط تدريجياً قوى 14 آذار، وفيما كان الانسحاب السوري من جهة ومشروع حصار التيار من قبل قوى 14 آذار من جهة أخرى في خلفية تموضع التيار بالاقتراب من حزب الله، كانت نتائج حرب تموز وأحداث 7 أيار في خلفية موقف جنبلاط، ومقابل ثبات موقع التيار الوطني الحر الحليف لحزب الله وعبره لقوى 8 آذار تحرّكت مواقف جنبلاط تحت سقف الخصوصيّة والتنقل من خصومة الى لقاء الى ربط نزاع مع قوى 8 آذار، خصوصاً مع حزب الله وعلاقة خاصة بالرئيس نبيه بري. وبقيت هذه القاعدة قائمة حتى انتخابات الرئاسة في عام 2016 التي حملت العماد عون الى قصر بعبدا.
في انتخابات 2005 تمثلت قوى 8 آذار بـ 36 مقعداً بعدما شاركت في الحلف الرباعيّ مع قوى 14 آذار، وحصد التيار الوطني الحر 21 مقعداً، بينما حصدت قوى 14 آذار ضعف تمثيل 8 آذار بـ 71 نائباً، وفي انتخابات 2009 التي خاضتها قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر ضمن تحالف مشترك بقي المجموع المشترك مطابقاً لحصيلة انتخابات 2005 أي 57 نائباً للفريقين لكن خسرت قوى 8 آذار ستة مقاعد كسبها التيار الوطني الحر ورفع تمثيله إلى 27 مقعداً، وفي انتخابات 2018 التي نال فيها تحالف 8 آذار والتيار الأغلبية بـ 71 مقعداً منها 27 للتيار و44 لقوى 8 آذار، وبينما خسر التحالف الأغلبية في انتخابات 2022، لكن لم تربحها قوى 14 آذار، جاء التصويت الرئاسي في جلسة 14 حزيران 2023 ليقول إن 8 آذار رممت صفوفها وتمكنت من حصاد 51 صوتاً لمرشحها سليمان فرنجية، مقابل 59 صوتاً لقوى 14 آذار وجنبلاط والتيار والمولود الجديد لبرلمان 2022 الذي يمثله التغييريّون معاً.
مع تسلّم رئيس التيار النائب جبران باسيل خلافة العماد عون في قيادة التيار وتكتله النيابي، وتسلّم النائب تيمور جنبلاط مكان والده في الحزب الاشتراكي والتكتل النيابي، بدأت تغييرات هيكلية تدخل على خطاب وتموضع الفريقين، رغم أن ما يفعله باسيل وتيمور يحظى بمباركة ودعم المؤسس والزعيم، فقد استعاد باسيل منذ ما قبل انتخابات 2018 خطاباً مسيحياً عنوانه التمثيل المسيحي الصحيح، نجح بتجنيد حزب الله لفرضه على قانون الانتخابات الجديد الذي وفّر للتيار في انتخابات 2018 ولاحقاً في انتخابات 2022، ومعه للقوات اللبنانية ضمان الحصول على مقاعد نيابية أكثر بأصوات ناخبين أقلّ، وأدى إلى تراجع حجم التأثير الانتخابي للتصويت الشيعي والسني في إنتاج عدد موازٍ من النواب، وتثبيت عرف جديد في فهم اتفاق الطائف مناقض لما تقوله مناقشات الطائف التي رافقت الحديث عن الانتخابات النيابية، وربطت بين قبول المسلمين بالمناصفة مقابل تخلّي المسيحيين عن نظرية ربط انتخاب النواب المسيحيين بالناخبين المسيحيين، وصولاً إلى المعركة التي بدأ يخوضها مع انتخابات الرئاسة تحت عنوان انتخاب الرئيس المسيحي بأصوات النواب المسيحيين، وهو ما كان واضحاً أنه مناقض لروح اتفاق الطائف الذي ربط تكريس مسيحية الرئاسة بجعل الانتخاب وطنياً عبر النواب المسلمين والمسيحيين، المنتخبين بأصوات الناخبين المسلمين والمسيحيين، بينما بدا تيمور جنبلاط في مزاج سياسيّ أكثر ابتعاداً عن التوازن بين 8 و14 آذار وأكثر قرباً لقوى 14 آذار وخلفيتها الغربية، متحرراً من تأثير العلاقة الخاصة التي ربطت والده بالرئيس بري.
المشهد الجديد يقول بالعودة إلى تموضع 8 و14 آذار، وبينهما التيار والاشتراكي بتحالفات وخصومات على القطعة، بحسابات مسيحية مثقلة بالقلق على الزعامة لدى باسيل، ومحاولة التشبه بالزعامات المسيحية التاريخية، من كميل شمعون إلى بشير الجميل، أملاً بمنازعة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأكثر تجذراً في زعامته المبنيّة على التطرف بالعناوين المسيحية، مستنداً الى دعم الزعيم والمؤسس العماد ميشال عون، وحسابات مدنيّة شبابيّة بهوى ليبرالي غربي، لدى تيمور جنبلاط،، واهتمام أقل بالحسابات الدرزية، على خلفية ثقة بثبات العامة الدرزية مهما كانت المواقف والتقلبات، وبدعم الزعيم والأب وليد جنبلاط.
التقاطع على جهاد أزعور هو أول افتتاح مسار التحالف والخصومة على القطعة بين 8 و14 آذار، وقد جمع التيار والاشتراكي مع قوى 14 آذار، لكن على قاعدة مد يد التفاوض لقوى 8 آذار، ولا مانع بصفقة ثنائية لأي منهما أو كليهما، بدون قوى 14 آذار، شرط تخلّي قوى 8 آذار عن مرشحها سليمان فرنجية، الذي يبدو طلباً مستحيلاً، لكن المسارات المقبلة سوف تكون محكومة بمعادلة يختزنها هذا الاستعداد، أي الاستعداد للتعامل بالقطعة بين معسكري 8 و14، وإعلان نهاية الحقبة الماضية وما حكمها من معادلات التحالف والخصومة. وبعد استحقاق الرئاسة وانتخاب الرئيس سوف تظهر هذه المعادلة أكثر، وصولاً الى إقرار قانون انتخاب جديد وتحالفات إنتاجه، والتحالفات الانتخابية في ظلاله.