مخطط لعزل حزب الله… هل اقتربت الحرب الثالثة؟
} تمجيد قبيسي
تدور في المنطقة إشارات عديدة متفرّقة يجمعها ما بين السطور، وبالتطرّق إليها تتضح الرؤية بشكل كامل فسحاً في المجال لتحليلها من أجل الوصول للأهداف الجامعة التي تُمثل المخطط الإسرائيلي ـ الأميركي في ظلّ التسويات الراهنة، فما هي تلك الإشارات؟ وأين همزة الوصل في ما بينها؟ وما هي الأهداف المنشودة؟
أول إشارة تمثلت بالبيان الخليجي ـ الأميركي المشترك بعد زيارة أنتوني بلينكن إلى جدة، فقد تضمّن البيان مقررات مهمة جداً أبرزها الدعوة لحل الدولتين، حلّ سياسي في سورية، سيادة اليمن واستقلاله ووحدة أراضيه، بالإضافة إلى تأكيد بلينكن على «ضرورة إعادة الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم إلى بلادهم بهدف «تحقيق الاستقرار»، وفي إطار متصل أشار فيصل بن فرحان في مقابلة مع تلفزيون «بلومبيرغ» السويسري الى «انّ التطبيع مع إسرائيل شيء يصبّ في مصلحة المنطقة ولن يتحقق إلا من خلال منح الفلسطينيين دولة».
ثانياً البحث خلال الاجتماع الذي ضمّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة حول القضايا الوطنية الفلسطينية وأهمّها ازدهار القطاع من جانب واستتباب الأمن فترة أطول، بالإضافة الى ترتيبات لتوسيع حجم التبادل التجاري مع قطاع غزة، انطلاقاً من ميناء العريش المصري، عبر إقامة ميناء فرعي في غزة، تكون إدارته تابعة لميناء العريش، تحت إشراف وإدارة مصرية، وإنشاء طريق بري سريع يربط بين قطاع غزة ومدينة العريش، بحيث يتمّ نقل البضائع برياً من غزة إلى الميناء ومنه إلى دول العالم والعكس.
هذا وقد دعت واشنطن الى خفض التصعيد بين الجانبين لتحسين الوضع الأمني.
ثالثاً الحديث حول اتفاق نووي مؤقت بين أميركا وإيران.
رابعاً دعوة أميركا لقانون مكافحة التطبيع مع دمشق وتوسيع عقوبات «قانون قيصر».
خامساً القرار الدولي الذي تمّ اتخاذه بشأن تصدير العراق نفط إقليم كردستان.
سادساً الملف الرئاسي اللبناني الذي شهد التقاءً لقوى المعارضة مع التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي على اسم جهاد أزعور بمواجهة الثنائي الشيعي الداعم لسليمان فرنجية، سابعاً الأحداث الراهنة على الحدود الجنوبية وخصوصاً تلك الخنادق التي يعمل العدو على حفرها بالتزامن مع قلق اليونيفيل من ارتفاع منسوب التوتر على الجانب الإسرائيلي الذي يواصل مناوراته العسكرية الشاملة تحسباً لحربٍ مع حزب الله.
ثامناً تصعيد الجنرالات الإسرائيلية عبر خطاباتهم التي تضمّنت تهديداتٍ موجهة لحزب الله وإيران.
بهذا تكون قد اكتملت الإشارات التي نلاحظ علاقتها المباشرة مع كافة دول محور المقاومة.
بالتطرق إلى الجو الاسرائيلي الداخلي، يعمل العدو على إعادة تأهيل ملاجئه العامة من جهة، ومن جهة أخرى لا يزال يعيش حالة من الانقسام الداخلي، كما أنّ «الإسرائيلي» يعيش مخاوف من زواله في ظلّ فائض القوة الذي يعيشه محور المقاومة بالتزامن مع معادلة وحدة الساحات، ففي هذا الإِطار لن يترك الأميركي يده الباطشة في الشرق الأوسط بمواجهة أزمته وحيداً، فالكيان أمامه خياران اثنان، إما التعايش مع تطوّر قوة محور المقاومة وانتظار لحظة زواله، وإما المبادرة الى شنّ حرب استباقية يأمل من خلالها الى توجيه ضربة خاطفة الى ركن أساسي من أركان محور المقاومة (حزب الله) في ظلّ استبعاده تحرك ساحات المحور بمساعدة العمّ سام، فربطاً مع سيناريو شنّ الحرب والاشارات التي ذُكرت اعلاه، يُكشف المخطط «الإسرائيلي» ـ الأميركي الذي يسعى الى تعطيل كافة ساحات المحور للتفرّغ للجبهة الأخطر عليه، فجبهة فلسطين المتمثلة بحركة جهاد الإسلامي وحركة حماس ستشهد هدوءاً حيث انها في إطار تحسين وضعها الاقتصادي في غزة بعد حلّ الدولتين.
أما جبهة سورية فلن تحرك ساكناً باعتبار مواجهتها الحصار وعملها على النهوض.
وبالذهاب الى جبهة العراق فبعد تأكيد بلينكن على عودة الإرهابيين المسجونين الى عائلاتهم ستشهد العراق تحريكاً لجبهتها بمواجهة داعش الذي سيُعاد تحريكه بدلاً من «تحقيق الاستقرار» الذي أشار إليه بلينكن، وبهذا لن يكون الحشد الشعبي في وارد المواجهة مع «إسرائيل» بل سيكون غارقاً بمصيبة الإرهابيين.
وبالانتقال الى جبهة اليمن فسيعمل اليمن على النهوض من جديد في مسار تحقيق استقراره ووحدة أراضيه كما أشار البيان الخليجي ـ الأميركي.
أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيرى الأميركي أنها لا تدخل حروباً مباشرة بل تعمل فقط على إعانة حزب الله وإمداده بالصواريخ، وفي حال قرّرت طهران المواجهة فستشهد امتعاضاً من قبل المواطنين الإيرانيين الذين يعيشون حصاراً اقتصادية وهم على مشارف الوصول لاتفاق حول البرنامج النووي، فبهذا سيقتصر دور إيران على مدّ يد العون لحزب الله.
أما في الداخل اللبناني فمخطط العزل ظهر جزئياً عبر وقوف أغلب القوى اللبنانية في وجه حزب الله بخصوص الملف الرئاسي، ففي حال اندلاع الحرب، لن تكون حفاوة الاستقبال مشابهةً لما شهدناه في حرب تموز وقد نشهد استنكارات داخلية في وجه المقاومة، ومنفذ التفاوض هنا سيكون عبر الرئيس نبيه بري كتكرارٍ لدوره السياسي المقاوم عام 2006، ويُقدّر أن تكون الأحداث الراهنة في كفرشوبا بداية لتحضير المسرح بحيث يجهّز العدو خنادق تُعثّر السيناريو الهجومي الذي أظهرته المقاومة ضمن مناورتها الأخيرة.
يُرجح بحسب تلك الرؤية في حال نجاحها، حملة تطبيع عربية ـ إسرائيلية، وتحجيماً للجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر إضعاف حلفائها في المنطقة، فبعد الحدّ من فائض قوة حزب الله في لبنان، سترتفع معنويات العدو ويُكمل مشروعه في حلّ المقاومة الفلسطينية فيعطي الفلسطينيين الفتات من الأراضي كذريعة تطبيع عربية بالإضافة الى تعزيز توحيد صفوفه الداخلية وإنهاء الشرخ القائم.
يُطبخ المخطط على نارٍ هادئة، والمناورة التي أجراها حزب الله مؤخراً موجهة تحديداً للاسرائيلي، وهي خير دليل على يقظته وقد لا تكون الرؤية الأميركية ـ الإسرائيلية صائبة بحيث تشهد رياحاً عكس ما تشتهيه، وهي حتماً الحماقة التي سيرتكبها العدو الصهيوني والتي يشير لها حزب الله دائماً، فحتى لو قلنا انّ حزب الله ليس بمقداره المواجهة، هل ستكون دول محور المقاومة مكتوفة الأيدي وملتزمة الصمت؟ طبعاً لا، فلسان حالها سيكون «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».