ماذا بحث ماكرون وبن سلمان وماذا يريد كل منهما؟
ناصر قنديل
لن يتيح البيان الصادر عن نتائج اللقاء الذي جمع بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رسم استنتاجات وافية عن نتائج اللقاء، وسوف ينصرف جمع من المحللين إلى ابتكار نتائج ينسبونها الى مصادرهم «الشديدة الاطلاع»، حتى تخالهم كانوا داخل الاجتماع الثنائي بين الرجلين، وباستثناء ما قد يعمد المعنيون في الفريقين الفرنسي والسعودي لن يتاح الاطلاع على فحوى المحادثات ونتائجها، والتسريبات تكون غالباً مدروسة وموجّهة ولها وظيفة غير اطلاع الرأي العام على النتائج، كما في كل قمة أو لقاء سياسي بين شخصيات عالمية قيادية، لذلك يبقى العقل أهم مصدر للمعلومات، والسؤال كيف؟ والجواب برسم مسارات مبنية على الوقائع لمسارات كل من المعنيين بالقمة المنعقدة، واستكشاف نقاط تقاطعها التي يفترض أن تدور حولها المفاوضات، وأخذ البيان الختامي بمفاتيحه الظاهرة كمؤشر لمدى تحقق أهداف مفترضة لأحد الفريقين، لتوقع ماذا يمكن أن يكون ما ناله الفريق المقابل.
وفق هذا المنهج قرأنا زيارة وزير مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان الى كل من الرياض وتل أبيب عشية القمة العربية التي استضافت عودة الرئيس السوري بشار الأسد، واعتبرنا أن عملية استهداف قادة الجهاد الإسلامي في غزة كانت من نتائج الزيارة أملاً بوقف المسار السعودي المستقل عن التوجيهات الأميركية خصوصاً في سورية، ووفق هذا المنهج توجه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى الرياض إثر القمة العربية وبعد فشل محاولة تغيير موازين القوى عبر حرب غزة الأخيرة، واعتبرناها محاولة لاحتواء المتغيرات الجارية في المنطقة، من الاتفاق الثلاثي الصيني السعودي الإيراني، الى المسار السعودي الجديد نحو سورية، عبر محاكاة المسارين بمسار أميركي نحو إيران، وعدم تعطيل المسار السعودي نحو سورية، مقابل الإمساك بالملف الرئاسي في لبنان كبديل تفاوضيّ مع المقاومة على ترتيبات لأمن الكيان، خصوصاً إذا تعذّر منحه جائزة التطبيع مع السعودية، ورأينا في تقاطع ترشيح أزعور ترجمة لهذا التطوّر الجديد.
تأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى باريس على خلفية مجموعة عناصر تتمثل من الزاوية السعودية، عالمياً، باهتمام صيني وروسي وإيراني بالسعي لتحييد أوروبا من البوابة الفرنسية ما أمكن من تحت المظلة الأميركية، وفق ما قالته تصريحات ماكرون من بكين، عن الدعوة للاستقلال الأوروبي مالياً وعسكرياً وسياسياً، والحاجة لتقديم منصة وسطية نحو فرنسا لا تُحرجها، مثل منصة العلاقة مع السعودية للتموضع في منطقة الوسط، وما يرافق هذا التموضع من عروض، تلبي احتياجات فرنسا الملحة في ظروف أزمات مالية واقتصادية عميقة، وكساد يصيب كبريات الشركات الى حد تهديد كثير منها بالإفلاس، وإقليمياً، بتوافق صيني روسي إيراني على دعم المبادرة السعودية نحو سورية وجوهرها تخفيض سقف الحل السياسي المطلوب من الدولة السورية بصورة لا تُحرجها ولا تزعجها، لتوظيف هذا التوجّه المعتدل في تسريع روزنامة رفع العقوبات وتسهيل عودة النازحين وإعادة الإعمار، وفك الارتباط الى أدنى حدود ممكنة بين مسار الحل السياسي ومسار حل أزمة النازحين وإعادة الإعمار. وقد حصلت الرياض على ما يمكن وصفه الضوء الأصفر من كل من بلينكن وبوريل، وفق المواقف الصادرة عنهما، تحت عنوان لا نوافق على الانفتاح على الدولة السورية ولن نتبناها، لكننا منفتحون على مراقبة نتائجها ولن نقوم بعرقلتها أو السعي لتعطيلها.
يأتي لقاء ماكرون وبن سلمان بعد فشل الرهان الأميركي على التقاطع وراء أزعور بخلق ديناميكية جديدة، من خلال تحقيق رقم الـ 65 صوتاً وحشر فرق حزب الله في الزاوية، لفتح منصة التفاوض الأميركية معه، وتعاملت السعودية مع المسعى الأميركي بقياس التعامل الأميركي مع المبادرة السعودية نحو سورية، لم تتبنّ ولم تقاتل لصالح الطلب الأميركي ولم تضغط على أحد من أصدقائها للتجاوب معه بدليل تصويت نواب لبنان الجديد، لكنها شجعت الراغبين بالسير فيه لفعل ذلك ولم تسع لتعطيله بدليل تصويت الحزب التقدمي الاشتراكي، في ظل الضوء الأصفر السعودي والفرنسي أمام المسعى الأميركي، فعاد ملف الرئاسة الى مربعه الأصلي، الذي ترغب فرنسا باستعادة التفويض بإدارته، مثلما ترغب فرنسا بدعم سعودي مالي وتجاري واستثماري وسياسي.
يتحدث البيان الختامي عن تلبية ولي العهد السعودي لدعوة الرئيس الفرنسي بحضور قمة 22 حزيران الحالي حول المناخ والطاقة والفقر، ما يعني مساهمات مالية كبيرة في تنفيذ مشاريع المؤتمر التي سوف تتولاها شركات فرنسية، كما تحدّث عن التعاون الدفاعي أي شراء السعودية لصفقات سلاح فرنسي من معامل تكاد تتوقف، وعن مشاركة فرنسية في رؤية 2030، ما يعني مشاريع سعودية ضخمة تتولاها شركات فرنسية، وكلام عام عن الرئاسة اللبنانية، يفترض أن يعني في هذه الحالة تلبية سعودية للطلب الفرنسي في مناخ منح فرنسا المزيد من الجوائز والحوافز. وهذا يعني أن السعودية حصلت على الدعم الفرنسي لمبادرتها نحو سورية، طالما أن لا ممانعة أميركية وأوروبية، بمنح هذه المبادرة الفرص قبل الحكم لها أو عليها، ويعني لبنانياً إعادة تنشيط المبادرة الفرنسية بدعم سعودي.