أولى

مرشح التقاطع المؤقت ومرشح التحالف الثابت…

‭}‬ أحمد بهجة*

كثُرت التحليلات بشأن الجلسة النيابية لانتخاب رئيس الجمهورية يوم الأربعاء الماضي، والتي بات معروفاً أنّ مرشح التقاطع الوزير الأسبق جهاد أزعور نال فيها 59 صوتاً فيما حصل مرشح التحالف رئيس تيار المرده الوزير الأسبق سليمان فرنجية على 51 صوتاً، ووُجدت 8 أوراق كتب عليها «لبنان الجديد»، وحاز الوزير الأسبق زياد بارود 6 أصوات، وقائد الجيش العماد جوزاف عون صوتاً واحداً، ووُجدت ورقة بيضاء وورقة اعتُبرت ملغاة باسم جهاد العرب، كما وُجد مغلف فارغ ليصبح المجموع 128، وهذه من الجلسات النادرة التي يحضرها جميع أعضاء مجلس النواب.
بعد الجلسة ظهر بوضوح الانزعاج على أركان الفريق المؤيد لأزعور، وكانت ردود فعلهم أمام كاميرات الإعلام معبّرة عن مدى التوتر الذي أصابهم إلى درجة أنّ بعضهم «فش خلقه» بالإعلاميين والإعلاميات، رغم أنّ مرشحهم نال أصواتاً أكثر من مرشح الفريق الآخر، لكن حساباتهم المفتقِدة إلى الدقة كانت تقول لهم إنّ أصواتهم ستتجاوز الـ 65، وبالتالي يكون مرشحهم قد فاز سياسياً وإنْ لم يفز بالدستور!
وهنا يمكن القول إنّ لبنان نجا من قطوع كبير كان سيُدخلنا فيه فريق لا يُقدّر العواقب، أو هو يقدّرها ولكنه ينفذ أجندات خارجية معينة، بشكل يشبه إلى حدّ بعيد ما حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث عاش لبنان مرحلة صعبة جداً حين اخترعوا ما يُسمّى «الاتهام السياسي» الذي تراجعوا عنه لاحقاً ولكن بعد خراب البصرة. ولو أنّ مرشح «التقاطع» تجاوز عتبة الـ 65 صوتاً لكنا عشنا السيناريو نفسه كما صرّح عدد من نواب ذلك الفريق على قاعدة «خذ أسرارهم من صغارهم».
في المقلب الآخر كان الارتياح بادياً على الوجوه وعبّر النواب المؤيدون لفرنجية عن الرضا الكامل على النتائج التي فاجأت الخصوم وأعطت مؤشراً واضحاً على تماسك فريق 8 آذار في كلّ المحطات المفصلية، بينما الفريق الآخر مشتّت ومبعثر ولا يجتمع أطرافه إلا على سلبية من هنا أو ردّ فعل من هناك بلا مشروع ولا خطة ولا معرفة ماذا في اليوم التالي…!
وها قد أتى اليوم التالي، ورأينا كيف أنّ مؤيدي أزعور بدأوا يتفرّقون بدءاً من كتلة اللقاء الديمقراطي التي دعا رئيسها النائب تيمور جنبلاط للذهاب إلى خيار ثالث وسمّى قائد الجيش العماد جوزاف عون، فيما أعطى أكثر من نائب في كتل مختلفة إشارات إلى أنّ وجهة تصويتهم في المرة المقبلة ستكون مختلفة، خاصة النواب الذين أقرّوا بأنهم ذهبوا تحت الضغط إلى خيار انتخاب أزعور.
هذا يدلّ إلى أنّ عدد مؤيدي مرشح التقاطع المؤقت انخفض إلى أقلّ من خمسين صوتاً فيما عدد مؤيدي مرشح التحالف الدائم قد يرتفع ويزداد خاصة إذا أخذنا مؤشراً من تصويت نائب أو أكثر من تكتل الاعتدال الوطني لمصلحة فرنجية مما يدلّ على استعداد باقي أعضاء التكتل لفعل الأمر نفسه، خاصة أنّ التسويات المحلية والخارجية سائرة على هذا الطريق.
إذن… يصحّ القول في جهاد أزعور إنه مرشح لمرة واحدة واستثنائية، كما كان يتمّ تعديل الدستور في مراحل سابقة، والأهمّ من ذلك أنه مرشح بلا مشروع لأنّ مؤيديه غير متفقين على شيء حتى أنّ عدداً منهم لا يصافحون بعضهم البعض! إلا إذا كانوا متفقين على اعتماد مشروع صندوق النقد الدولي الذي يمثله أزعور، وهو مشروع يقول بشطب الودائع نهائياً وبتقليص عدد موظفي القطاع العام إلى النصف تقريباً ووقف تدريجي لمعاشات التقاعد، ورفع كلّ أشكال الدعم بما في ذلك عن القمح والخبز… فهل هذا ما يريده المتقاطعون؟
الواقع أنّ لبنان يحتاج إلى مشروع إنقاذي ينتشله من هذه الهوّة السحيقة التي أوقعته فيها السياسات الخاطئة المعتمدة منذ ثلاثة عقود، والتي كان لأزعور نفسه مساهمة أساسية فيها كوزير للمالية بين عامي 2005 و2008، ويعرف الجميع ما حصل في تلك الفترة من مخالفات لا يزال الناس إلى اليوم يدفعون ثمنها في معيشتهم اليومية، خاصة لجهة الفوضى المالية التي كرّسها غياب الموازنات العامة منذ العام 2007 وطيلة 10 سنوات، إضافة إلى الفوضى الحاصلة في مصرف لبنان والمستمرّة إلى اليوم بلا حسيب ولا رقيب، ثم يأتيك من يروّج للتمديد «إدارياً» لـ «الحاكم» بحجة عدم قدرة الحكومة على تعيين خلف له، فيما قانون النقد والتسليف واضح جداً بأنّ النائب الأول للحاكم يستطيع تولّي المسؤولية في حال طرأ أمر ما وحصل شغور في منصب الحاكم.
أما الفريق المؤيد لفرنجية فلديه مشروع اقتصادي إنقاذي معلن وواضح وبعيد عن قيود وشروط صندوق النقد، ومن يودّ معرفة تفاصيل هذا المشروع ما عليه إلا الاطلاع على العروض الصينية والروسية والإيرانية في قطاعات إنمائية ومشاريع حيوية تتعلق بحياة الناس اليومية من طرقات وجسور وأنفاق وكهرباء وقمح ومحروقات ومصافي نفط وغيره كثير مما ينعش الدورة الاقتصادية ويخلق فرص عمل للناس ويحسّن مداخيلهم من دون أيّ كلفة على الخزينة العامة.
إذا كان النواب يمثلون الشعب فعلاً… فعليهم أن يسالوا أنفسهم أيّ مشروع يختاره الناس؟
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى