السعودية ـ إيران… خطوة تقارب جديدة
} رنا العفيف
أثبتت السياسة المنطقية الموضوعة على استراتيجيات المصالح المتبادلة، أن لا شيء مستحيلاً مع الإصرار والتحدّي لصنع المعجزات، لا سيّما على صعيد خدمة الجبهات للاستقرار المتفاوت نسبيّاً…
كيف نقرأ الانطباع الأول حول زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران؟ وماذا عن مرحلة قطاف الجهود الدبلوماسية لكلا الطرفين؟ ولمصلحة من ستصبّ كلّ هذه المسارات المفتوحة في المنطقة؟
خطوة جديدة في مسار التقارب السعودي الإيراني المبني على الإحترام المتبادل، إذ أكد ابن فرحان أنّ الزيارة هي استكمال للاتفاق وأنّ العلاقات الثنائية قائمة على الاحترام المتبادل. في مقابل ذلك أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على مناقشة مختلف أبعاد التعاون بين طهران والرياض مشدّداً على أهمية تشكيل لجنة اقتصادية مع السعودية في مختلف الملفات.
ما يعني أنّ كلّ الرهانات السابقة كانت خاطئة، وسقط رهان عرقلة الاتفاق الذي لا يروق للبعض، بل انّ مشهدية اتفاق بكين تتبلور في الاتجاه الصحيح، وبالتالي هذا التلاقي من الإيجابية في خضمّ العلاقات أو مسار العلاقات بين البلدين سوف يلقي بظلاله بتبعات على الكثير من الملفات والأزمات في المنطقة بمراحل مختلفة، وأنّ ثمار هذا التعاون ربما سيصيب في مصلحة المنطقة، بعيداً عن التدخّلات الدولية أو الخارجية.
بمعنى قد تكون المملكة العربية السعودية وطهران قد اتّخذوا رسم خارطة جديدة في المنطقة ما لم تكن ذاتيّة، وطبعاً هذا يتمحور حول المتغيّرات المهمّة في موازين القوى في المنطقة التي ستترك أثراً إيجابيّاً على مختلف القضايا الجيوسياسية، وذلك من خلال التأكيد على منظومة الأمن الإقليمي البعيد المدى، والبعيد عن التدخّلات الأجنبية.
وهذا ما كانت تؤكّد عليه مراراً طهران في مجمل مفهوم السياسة، تزامناً مع الحلول السياسية، وهذا حتماً من مبدأ دولي تتماشى معه طهران مع علاقاتها الثنائية مع الرياض ومع أي دولة أخرى.
ولكي يكون خط الائتمان السياسي ناجحاً، يعمل البلدان على تهدئة المنطقة البعيدة عن الصراعات والتوتّرات، لأنّ المصالح الاقتصادية المشتركة في أيّ بلد تحتاج إلى الأمن والاستقرار، لا سيّما أنّ التنمية لا تتحقّق إلا بوجود عناصر التهدئة، ولا تنمية بوجود دول غير نامية تحتاج إلى استقرار، وهذا ربما المطلوب من كلا الطرفين وتحديداً السعودية التي تتّجه نحو إيجاد حلول للملفات الشائكة في المنطقة، وقد بدأت بشكل أو بآخر تتوجّه نحو تحسين العلاقات مع سورية، والاستثمارات في العراق، والسلام في اليمن، والحلول في لبنان، وهذا كله سيصبّ في مصلحة المنطقة لتتبلور نحو الازدهار…
إذاً هناك تصوّرات مشتركة بين إيران والسعودية تتعلّق بإدارة الإقليم، وهذا المشهد لم نشهده منذ عهود لنقل، وبالتالي نحن أمام تحوّلات جذرية هائلة في منطقة الشرق الأوسط تقوم على تصفير المشاكل، قد تليها مراحل متعدّدة على مستوى الملفات البينية في الشراكة الاقتصادية والمشاريع الصغيرة التي هي نتاج لنقل اتفاق بكين الذي أثمر قطافاً سياسياً يلبّي رغبات الطرفين الإيراني والسعودي عن قناعة باستمرارية التعاون في تأمين المصالح المشتركة في المنطقة.
وبالتالي دون أدنى شك هذة ليست مبادرة تكتيكية بقدر ما هي معادلات استراتيجية بعيدة المدى لحلحلة بعض المشاكل في الإقليم، ولو لم يكن البلدان متأكدان من نجاح تحقيق العلاقات الثنائية وما سينتج عنها، لما رأينا تبادلاً تجارياً يربط العلاقات هذه بتلك الملفات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي وتبادل الزيارات في موضوع الحج كذلك، وهذا له مردود سياسي قائم ومستمر، وكذا التعاون في المجال التقني وغيرها من الاتفاقيات التي تقتصر على أهمّ معالم الدولتين الإسلاميتين، وربما هذا يحتاج مزيداً من الجهود والتعاون لتحقيق الأهداف المرجوة من أجل تحقيق مصالح العالم الإسلامي.
طبعاً كان الاتفاق على افتتاح السفارة التي هي من أهمّ اللّبنات السياسية التي وُضعت على جدول اكتمال عودة العلاقات المشتركة وتفعيل الجانب العملي الذي ستكون له نتائج إيجابية تعود بالفائدة على المنطقة بخط مواز لاستكمال الحلول والأزمات، وبالتالي نحن دخلنا مرحلة جديدة لا يمكن ربما التراجع عنها وقد تتبلور معالمها قريباً…