تفاهم النفس الطويل الفرنسي السعودي الإيراني
ناصر قنديل
تؤكد المعلومات المتاحة عن عناوين ما تمّ تداوله في لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومن لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن ما يجري على المسرحين الدولي والإقليمي لا تلخصه الاستقطابات القائمة حول حرب أوكرانيا، فهناك إقرار دولي وإقليمي جامع بأن العالم يتغيّر، وبأن التفاهمات بين الدول المتوسطة الحجم هي الطريق الوحيد لملء الفراغ الناجم عن تراجع قدرة الدول العظمى وفي طليعتها أميركا على إدارة العالم، وأن الدول العظمى أصبحت أقرب لدول إقليمية عظمى منها إلى دول تحكم العالم، وهذا يعني أن دولاً مثل فرنسا والسعودية وإيران تدرك أهمية ما تستطيع فعله، وما يجب عليها فعله، وأن الثلاثي الفرنسي السعودي الإيراني، الذي لا يزال ثنائيتين فرنسية سعودية وسعودية إيرانية، يعتقد بأن المشهد اللبناني يعيش مناخات الاستقطاب الأوكراني، وليس مناخ التفاهمات الصاعدة والآخذة في الاتساع من حيث عدد المنخرطين فيها، أو من حيث حجم الملفات التي تطالها.
ما تقوله المعلومات هو أن الاتفاق قائم بين أطراف الثلاثي الفرنسي السعودي الإيراني، حيث تمثل السعودية القاسم المشترك ودينامو التحرّك، على أن الخروج من الفراغ الرئاسي مستحيل بتبني الدعوة الظرفية للاحتكام إلى التصويت والتزام الكتل النيابية بالامتناع عن ممارسة حق تعطيل النصاب، فالذين يطلبون من المساعي الخارجية المساعدة بالضغط على خصومهم للامتناع عن تعطيل النصاب، مستعدون للذهاب إلى تعطيل النصاب عندما تكون تقديراتهم أن نتيجة الانتخابات لن تكون لصالح مرشحهم، وقد قالوا ذلك مراراً. وهذا يعني أن الانتخاب يمكن أن يجري بين أكثر من مرشح غير معرضين لاحتمال ممارسة الفيتو من الطرفين المتقابلين القادرين على تعطيل النصاب، وسواء سارت الأمور بهذا الاتجاه او باتجاه الاتفاق على مرشح واحد بشبه إجماع يضمن النصاب والانتخاب، فإنه لن يتمّ إلا ضمن توافق على سلة توضح للأطراف إذا كسبوا منصب الرئاسة ماذا سيكون عليهم قبوله من مواقع لصالح خصومهم، وإذا كان عليهم قبول منافسة تأتي بخصم فيجب أن يعلموا ماذا سيكون عليهم توقع الحصول عليه بالمقابل، لأن الدولة بغير توازن المكاسب والأحجام والأدوار بين الجناحين اللذين ظهرا في جلسة 14 حزيران، لا قيامة لها ولا فرصة لإعادة تكوينها.
المتفق عليه بين فرنسا والسعودية وإيران هو أن المطلوب توافق على أحد أمرين، وهو سلة واحدة تنتج رئيساً وترسم خريطة طريق لما بعده من رئيس حكومة وحكومة وحاكم مصرف مركزي وقائد جيش وسواها، أو سلتان متقابلتان تحسم المنافسة السير بإحداهما، بحيث تقرّر المنافسة اسم الرئيس وبالتالي السلة المرافقة له، وفي الحالتين ما يضمن معادلة رابح رابح بالتوافق والتراضي، ولذلك فإن باريس تعتقد بأن مبادرتها التي انطلقت على أساس السلة المتكاملة تبقى طريقاً حتمياً للحل، حيث لم يكن تبنّ أو تشجيع ترشيح فرنجية تعبيراً عن الانحياز لفريق ضد فريق، بل كان تعبيراً عن توازن السلة المقترحة، وبالتالي فهي في جوهرها لا تزال حية، وما تفعله باريس اليوم هو السعي الى إعادة إنتاج المبادرة ولو تغيّر شكلها. والبداية هي رد الكرة إلى ملعب الذين هاجموا مبادرتها، بالقول ماذا تقترحون للخروج من الفراغ الرئاسي؟ وكيف يمكن لأصدقاء لبنان المساعدة في إنهاء الفراغ؟ وما يقوله هؤلاء معلوم سلفاً، وهو الدعوة للضغط على الخصوم للمشاركة في جلسات متتالية، حتى يولد الرئيس العتيد، لكن عندما يسألون وماذا لو كان الرئيس المنتخب سليمان فرنجية، هل ستقومون بتعطيل النصاب إذا تراءى لكم ذلك، وماذا لو لم تنجح الضغوط بجلب الآخرين الى ما تطلبون، تبقى الأسئلة بلا أجوبة.
الحصيلة لما ينتظر من جولة الوزير جان ايف لودريان، كما يعتقد الفرنسيون، هي مطالبة خصوم فرنجية بعرض سلة مقابلة لسلة ترافق فرضية انتخاب فرنجية، أي رئيس جمهورية يمثل طرفاً ورئيس حكومة يمثل الطرف المقابل، وتوازن في التركيبة الحكوميّة وفي توزيع المناصب السيادية، لكن الفرنسيين يعتقدون أن بلوغ هذه المرحلة قد يكون مع الجولة الثالثة من زيارات المبعوث الرئاسي لودريان أواخر الصيف. وفي هذه الحالة فإن الثابت هو أن لا حل الا بسلة متكاملة تنتج عن طريق الحوار المباشر وغير المباشر، والسلة كلما طال الوقت ستطال بنوداً تتصل بتركيبة النظام السياسي وليس فقط بالمناصب.