قيس سعيّد قامة رجل دولة تستحق الاحترام
– ليس من داعٍ للتذكير بوقوفي على ضفة المعارضين مرحلة حكم الإخوان المسلمين لتونس بقوة ووضوح، وقد كنتُ قريباً من ثورتها ولصيقاً بها وزرتها مراراً في ظلالها وحاضرت من منابرها، وأحببت تونس وتشرّفت بمحبة شعبها ومناضليها ومفكريها وقادة الرأي فيها، لكنني ابتعدت مع تجذّر حكم الإخوان المسلمين خصوصاً مع اغتيال قادة مناضلين ملتصقين بالشعب، بخلفيات وطنية وقومية وإسلامية ويسارية ربطتني بهم رفقة درب وشراكة فكر ومواقف، مثل الشهيد الصديق محمد البراهمي والشهيد الصديق شكري بلعيد، حيث تشاركنا الوقوف الى جانب الدولة والشعب والجيش في سورية، بوجه الحرب التي جنّدت حكومة الإخوان في تونس إمكانياتها لتوريط تونس بالتحوّل الى إحدى قواعد خوضها، وكانت استضافة تونس مؤتمر ما سُمّي بـ أصدقاء سورية الذي شكل منصة الحرب التي قادتها واشنطن ضد سورية بشراكة أكثر من مئة دولة، وتوفير التسهيلات لمشاركة شباب تونسيّ جرى التغرير به للمشاركة بهذه الحرب القذرة ضد الدولة والشعب والجيش في سورية، من أبرز علامات هذا التورط.
– على خلفية هذا الموقف كان طبيعياً أن أقف الى جانب فوز الرئيس قيس سعيّد واستبشر بانتخابه بانطلاق مسار تونسي جديد، حتى جاءت التعديلات الدستورية ومن بعدها الاستفتاء الشعبي على الدستور والانتخابات التشريعية، وما أظهرته من تراجع شعبية الحكم الذي يقوده الرئيس سعيّد، وهو ما ظهر أكثر في الخلاف غير المفهوم بين الرئيس قيس سعيّد والاتحاد العام التونسي للشغل الذي كنت ولا أزال أرى فيه منظمة شعبية وطنية وقومية وشعبية لا يجب الابتعاد عن فرص التفاهم معها، مهما كانت المواضيع الخلافية، لأن الحوار هو طريق حل هذه الخلافات وليس القطيعة. ولفتت انتباهي مؤشرات تراجع شعبية الرئيس قيس سعيّد وحكمه كما ظهرت شراكة لم تسجل نسبة فوق الـ 12% في الاستفتاء على الدستور وفي الانتخابات التشريعية، وبسبب هذا التحفظ والانطباع الذي تركته الفترة التي انقضت من حكم الرئيس قيس سعيد عن الرهان على وحدات الأمن والاجهزة القضائية الموالية، لم أكتب تأييداً أو دعوة لتأييد الرئيس سعيّد، وقد مرت مناسبات مثل الموقف الجزائري المساند للرئيس سعيّد، والتلاقي الذي جمع الرئيس قيس سعيّد والرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، حفزتني للتبصر بشأن قرار عدم الكتابة، لكنني بالتأكيد لم أكتب أي نص مخالف أو معارض للرئيس سعيّد، بانتظار ما سترسو عليه الأمور، بما يتيح الحكم للرئيس سعيّد وتجربته أو عليه.
– ما حملته الأيام القليلة الماضية من مواقف ومواجهات، بين الرئيس قيس سعيّد من جهة، وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي من جهة مقابلة، وما سبقها من موقف مشرّف للرئيس سعيد بوجه التدخلات الأميركيّة في الأوضاع التونسية، يكفي لتقديم صورة للرئيس قيس سعيّد لشخصية مشبعة بالروح الوطنية الصافية، والتمسك بمفهوم للسيادة عميق الجذور في القناعات، وقامة رجل دولة نادر في دول العالم النامي، الذي اعتاد التحدث بدونية مع قادة الغرب، وبلغة التسوّل مع القيّمين على المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدّمتها صندوق النقد الدولي، خصوصاً في دول صغيرة الحجم مثل تونس، ضعيفة الموارد، تمرّ بأزمة خانقة تحتاج خلالها للقرش، ما يجعل الدعوة للوقوف وراء الرئيس قيس سعيّد في هذه المحطات معياراً للوطنية بالنسبة لكل تونسي وتونسية، ومعياراً لمفهوم الاستقلال والسيادة بالنسبة لكل حر وشريف في العالم، وخصوصاً في عالمنا العربي، وبصورة أخصّ عند الذين اعتبروا ان انتقاد إجراءات الرئيس سعيّد بحق قادة الإخوان المسلمين تعبير عن حرصهم على مواجهة تونس للتحديات الخارجية، ذلك أن المعركة التي يخوضها الرئيس قيس سعيّد ليست معركته الشخصية، بل ربما تكون مواقفه معاكسة لمصالحه الشخصية، إذا كان من الذين يتمسكون بالسلطة ويعتبرونها مشروعهم الحقيقي، حيث تمثل مواقف الاتحاد الأوروبي والأميركيين وصندوق النقد الدولي، بوالص تأمين للبقاء في الحكم، سواء عبر التمويل القصير الأجل على حساب مستقبل الاقتصاد الوطني ومفهوم السيادة، أو عبر الدعم السياسي والأمني الذي يملك الغرب القدرة على تقديمه، لمجرد أن يبدي الرئيس سعيّد الاستعداد للمساومة.
– ما قاله الرئيس قيس سعيّد لقادة الاتحاد الأوروبي رافضاً الرشوة التي تبلغ مليارات الدولارات لتشكيل مخافر أمامية لمنع الهجرة الأفريقية إلى أوروبا، عن تحميل أوروبا مسؤولية الهجرة الأفريقية بسبب سياسات إفقار البلاد الأفريقية عبر نهب ثرواتها، ما يجعل الهجرة تهجيراً، لا يمكن مطالبة تونس بلعب دور حرس الحدود الأوروبية في مواجهته، بدلاً من التفكير في عمق القضية والسعي الى شراكة أوروبية في تنمية أفريقيا لاجتثاث أسباب الهجرة، وما قاله الرئيس قيس سعيّد لقادة صندوق النقد الدولي يلاقي كلامه للأوروبيين في كشف عمق أفكاره ووضوحها، وفي درجة تمسّكه بمفهوم أصيل للسيادة والاستقلال، وامتلاك شجاعة القادة الكبار، وليس عادياً أن يقوم الرئيس سعيّد برفض دعوات رفع الدعم عن السلع الأساسية والكهرباء، ورفض دعوات الصندوق بيع مؤسسات القطاع العام تحت شعار الخصخصة، وصولاً إلى مساءلة الصندوق عن سبب التوزيع الاستنسابي والمتحيّز لحقوق السحب الخاصة بجعل الفتات من نصيب الدول النامية التي تحتاج الى الدعم، وتوزيع الغنائم على الدول الكبرى التي لا تحتاج المساعدة.
– لا يلغي هذا الكلام حق القوى والشخصيات التونسية والهيئات السياسية والشعبية والنقابية، تونسية كانت أم عربية، بأن تحتفظ بمواقف نقدية تجاه ما تراه خاطئاً في سياسات وإدارة الرئيس قيس سعيد للمشهد التونسي، لكن من واجب هؤلاء جميعاً أن يعرفوا كيف يصيغون خطابهم بطريقة تؤكد وقوفهم خلف الرئيس قيس سعيّد في هذه المعارك الوطنية الكبرى التي تشكل معارك كل وطني حرّ شريف وليست معارك شخصيّة أو سلطويّة للرئيس، ويحضرني من باب التذكّر ما كنت أردده على مسامع المعارضين في سورية قبل انفجار الحرب الأميركيّة عليها وارتضاء الكثير من المعارضين ركوب موجة هذه الحرب على حساب المبادئ والأخلاق والوطن، وكنت أستعيد أمامهم موقف الزعيم الصيني ماوتسي تونغ عندما تعرّضت الصين في ظل حكم نظام الرئيس تشان كاي تشيك للغزو الياباني، وكيف قرّر الزعيم الصيني ماوتسي تونغ الانضواء تحت قيادة الرئيس الذي كان قد أعدم الآلاف من مناضلي الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر، لأن الوطن في خطر.
التعليق السياسي