أولى

«إسرائيل» حائرة بين «أهون الشرّين»: تهويد شمال الضفة الغربية أو حرب على خمس جبهات؟

‭}‬ د. عصام نعمان*
“إسرائيل غارقة في أخطر أزمة داخلية في تاريخها”. هذا ما جاء في مقالٍ لتشاك فرايليخ، نائب رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، في صحيفة “يديعوت أحرونوت” (2023/4/19).
قبل فرايليخ بشهرين حذر المحلل السياسي يوسي يهوشواع في الصحيفة نفسها من أنّ “تحديات أمنية غير مسبوقة تواجهها “إسرائيل” في خمس جبهات مختلفة: إيران، سورية، الضفة الغربية، غزة، والقدس. كلها جبهات حساسة تفرض معالجةً خاصة باستخدام القوة والاستخبارات من أجل تنفيذ مهماتٍ معقدة”.
فرايليخ، لخّص واقع “إسرائيل” اليوم على النحو الآتي:
“رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي وعد بوضع إيران على رأس سلّم أولوياته، مشغول بمحاولة إنقاذ نفسه من حكم المحكمة. طيارون وضباط احتياطيون أوضحوا أنهم لن يخدموا حكومةً تقوّض الديمقراطية. الشعب منقسم على نفسه.
السعودية والإمارات استأنفتا علاقتهما مع إيران، ومصر على الطريق. المحور الإقليمي الذي كانت “إسرائيل” تطمح إلى بنائه يتفكك. علاقات إيران بالصين وروسيا تتعمّق. الأزمة في علاقتنا بالولايات المتحدة عميقة. كلّ الاستراتيجيا التي بناها نتنياهو انهارت”.
مقاومةُ الشعب الفلسطيني في شمال الضفة الغربية لم تكن قد تفجّرت عندما كتب فرايليخ مقاله في “يديعوت أحرونوت”. اليوم كلّ وسط فلسطين وشمالها بات يغلي بالمقاومة أفراداً أحراراً وجماعات مرتبطة بحركات المقاومة ما يُلحق بالجيش الإسرائيلي وجلاوزة وزير الأمن القومي إتيمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش عشرات القتلى والمصابين.
كتّابٌ ومعلّقون وضباط متقاعدون انبروا للبحث في تداعيات أزمة الكيان المعتلّ وسبل الخروج منها. آراء وسيناريوات عدّة جرى اقتراحها أبرزها اثنان: الأول يدعو إلى تهويد شمال الضفة الغربية وملئها بالمستوطنات. الثاني يحذّر من أن تجد “إسرائيل” نفسها تنزلق الى حربٍ على خمس جبهات.
الدعوةُ الى تهويد الضفة الغربية، خصوصاً شمالها المتفجر مذّ كثفت القوى اليمينية المتطرفة مشروعات الاستيطان مع إلغاء أجزاء من “قانون الانفصال” في 2023/3/20 أتاحت للإسرائيليين الاحتلال والاستيطان في مناطق كان جرى إخلاؤها في شمال الضفة قبل 18 عاماً.
لإلغاء “قانون الانفصال تداعيات دراماتيكية على الصعيد الأمني، إذ بات على رئيس أركان الجيش الجنرال هرتسي هليفي، الذي يعاني الآن احتجاجات الجمهور، ومعارضي حكومة نتنياهو، ورفض الاحتياطيين الخدمة العسكرية بسبب تدابير “الانقلاب القضائي” (سيطرة الحكومة على القضاء)، بات عليه تقديم الحماية لجماعات المستوطنين ما تطلّب نشر المزيد من كتائب الجيش في الضفة الغربية بدلاً من تركيزها في مواجهة حركات المقاومة المتصاعدة في قطاع غزة وعلى طول الحدود مع سورية ولبنان.
ثمة تداعياتٌ سياسية وديموغرافية وأمنية أخرى لإلغاء “قانون الانفصال”. فتوسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية يعني ضمّ المزيد من الفلسطينيين قسراً إلى الكيان ما يجعله ثنائي القومية ويرفع مستوى العنف والصراع الدامي بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويستنفد تالياً قدرات الجيش الإسرائيلي في الضفة.
الى ذلك، ثمة خطران محدقان بالكيان الصهيوني في هذه الآونة. الأول، نزوع حركات المقاومة الفلسطينية داخل الضفة الغربية كما في قطاع غزة الى التصدّي للموجة الاستيطانية الجديدة ما قد يؤدّي إلى حربٍ على مجمل مساحة فلسطين التاريخية، إذ لم يعد سراً أنّ حركات المقاومة، لا سيما “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، باتت أقوى تسليحاً عمّا كانت عليه في الأعوام الماضية عندما شنّت عليها “إسرائيل” عدّة عمليات واسعة ولم تتمكن رغم ذلك من ردعها. فهي اليوم تمتلك صواريخ أبعد مدى تصل الى حيفا في الشمال وإيلات في الجنوب. كما تمتلك مُسيّرات (طائرات بلا طيارين) يمكن استخدامها لقصف مواقع وقواعد عسكرية في عمق الكيان. ذلك كله حمل بعض الخبراء والضباط المتقاعدين الإسرائيليين على التحذير من المضيّ قدُماً في استيطان شمال الضفة أو التفكير في عمليات لاقتحام مخيماتها بقصد تجريدها من السلاح.
الخطر الثاني المحدق بالكيان هو تقدّمُ إيران عسكرياً وتقنياً، خصوصاً بعد توصلها الى اتفاقات اقتصادية واستراتيجية مع روسيا والصين، بالإضافة الى اتجاه الولايات المتحدة للتوصل الى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. ذلك أنّ فرايليخ يؤكد بأنّ الولايات المتحدة بعثت برسائل الى “إسرائيل” بشأن نيتها التوصل الى حلّ سياسي مع إيران بصيغةِ اتفاقٍ مؤقت يعتمد رفعاً جزئياً للعقوبات في مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم تحت الدرجة العسكرية 60 في المئة. هذه الحقيقة تطرح من جديد مسألة قدرة “إسرائيل” على العمل بمعزل عن أميركا للجم البرنامج النووي الإيراني. ويؤكد فرايليخ أيضاً أنه في بداية الألفية الثالثة كان من الممكن التفكير في إمكانية القضاء على البرنامج النووي، لكن منذ ذلك الوقت راكمت إيران معرفةً لاستئنافه خلال وقت قصير جداً، حتى لو جرت مهاجمته.
الى ذلك كله، كان المحلل السياسي يوسي يهوشواع طرح في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رؤيةً واسعة لتحديات أمنية غير مسبوقة تواجهها “إسرائيل” في خمس جبهات مختلفة: إيران، سورية، الضفة الغربية، غزة، والقدس. أضيف من جهتي الى هذه الجبهات واحدة سادسة: لبنان. لماذا؟ لأنّ أيّ حربٍ تشنها “إسرائيل” على إيران ستؤدّي، عاجلاً او آجلاً، الى مشاركة كلّ أطراف محور المقاومة في القتال طالما أنّ “إسرائيل” تعتبر إيران متواجدة عسكرياً في سورية من خلال مواقع وقواعد في وسط البلاد وجنوبها الغربي، كما في لبنان من خلال حليفها حزب الله ومقاومته الفاعلة المنتشرة في جنوبه ووسطه وعلى الحدود مع سورية ما يدفع “إسرائيل” الى ضرب هذه المواقع وبالتالي الى قيام القوى العسكرية العربية، من جيوش ومقاومة، بالردّ عليها بلا هوادة.
اللافت انّ “إسرائيل” حذّرت مؤخراً لبنان عبر الأمم المتحدة من أنها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء موقعين قالت إنّ حزب الله أقامهما في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي المنطقة التي يعتبرها الصهاينة جزءاً من الجولان السوري المحتل فيما هي منطقة لبنانية خالصة.
حزبُ الله أكّد لكلّ المتصلين به أنّ للبنان الحق في الوصول الى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من خلال الجيش اللبناني والمزارعين اللبنانيين الذين يعتاشون من العمل في حقولها.
إزاء تصميم المقاومة في لبنان على الردّ بلا إبطاء، تراجعت “إسرائيل” عن تهديدها بدعوى “أنّ موقعي حزب الله لا يشكّلان تهديداً أمنياً”، وانّ حلّ هذه المسألة يتمّ عبر الأمم المتحدة والقنوات السياسية والديبلوماسية.
تراجعُ “إسرائيل” يشكّل دليلاً حيّاً على الحيرة التي تسود القادة العسكريين والمدنيين الصهاينة حيال ما يتوجب عمله للخروج من الأزمة المستفحلة التي يعانيها حاليّاً الكيان الصهيوني على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
إذ يميل معظم قادة الرأي والخبراء الاستراتيجيين الى البحث عن أهون الشرّين بين تهويد شمال الضفة الغربية أو الحرب على خمس جبهات، وربما ستّ، لا يستبعد آخرون أن يركب نتنياهو رأسه ويجاري اليمينيين والفاشيين والمستوطنين في دعوتهم إلى ضرب إيران التي باتت اليوم على العتبة النووية قبل أن تستكمل برنامجها النووي فيصبح ضربها في الغد مستحيلاً.
المخاطرُ والشرور المحيطة بـ “إسرائيل” متعددة، لكن الوقت اللازم لاختيار أهونها بات ينفد بسرعة.
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى