بوتين في مواجهة پريغوجين!
} د. عدنان منصور*
تمرّد وتحرك قوات فاغنر بعناصرها المرتزقة على الأراضي الروسية، منطلقة من روستوف، المدينة الرئيسة في جنوب روسيا، وإن شكلت طعنة في الظهر، وخيانة لها ولرئيسها فلاديمير بوتين من قبل صاحب شركة فاغنر پريغوجين، فإنّ قرار الرئيس پوتين كان حاسماً في ردع هذا التمرّد. إذ أنه من غير المسموح مطلقاً لقوات فاغنر وصاحب شركتها ان يحدث هذا التمرّد تغييرات دراماتيكية على الأرض، مهما كلف ذلك من ثمن لروسيا ولرئيسها، لأنّ القيادة السياسية والعسكرية الروسية لن تقبل لكرة الثلج أن تتدحرج، وتكبر، وتتمدّد، لتجرف في طريقها كلّ شيء، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية المفرطة.
تدحرج الكرة، يعني تهديد النظام الروسي من جذوره، وخلخلة الأمن القومي برمّته، وضرب الوحدة الروسية في الصميم، وجر البلاد الى الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، وما يترتب عن ذلك في ما بعد، من تغييرات دراماتيكية تقلب كلّ الموازين، وتطال مباشرة الأمن القومي لروسيا، ووحدة أراضيها، أكان ذلك في أوكرانيا، أو القرم، أو الجمهوريات المنفصلة عن أوكرانيا، وبالتالي قلب المعادلات الداخلية والإقليمية رأساً على عقب، وما يجرّ وراءه من تغييرات دولية لا تخدم بكلّ تأكيد القوى المعارضة للهيمنة القطبية الأحادية في العالم، حيث تعمل القوى الغربية المناوئة لروسيا بزعامة واشنطن على خلخلة المتغيّرات التي تحدّ من هيمنتها ونفوذها .
التطورات التي حصلت في الأيام الأخيرة، كانت خطيرة للغاية، لكن موسكو تجاوزتها بحنكة سياسية عبر حليفها الرئيس البيلوروسي لوكاشينكو، جنّبتها مواجهة طاحنة، كانت ستكلف روسيا فاتورة باهظة، سياسياً، وعسكرياً، وبشرياً، ومالياً، ومادياً، ومعنوياً.
حملات إعلامية واستخبارية مسعورة بالجملة، وأوركسترا غربية منظمة قادتها قوى التحالف الدولي، لإغراق روسيا ورئيسها بوتين في وحل المستنقع الروسي الداخلي، تمهيداً للانقضاض عليه من أوكرانيا.
ما عجز الغرب ـ أوروبا والولايات المتحدة بالتحديد ـ عن تحقيقه في أوكرانيا عبر حليفه، رئيس أوكرانيا زيلينسكي، رأى في صاحب شركة فاغنر بريغوجين ومقاتليه العسكريين المرتزقة، باباً واسعاً لتسديد ضربته القاضية على زعيم الكرملين، ويشرع الباب على مصراعيه أمام حرب أهلية داخلية، تحرّكها طوابير مشبوهة عميلة في الداخل، تجرف في طريقها الأخضر واليابس، وتقوّض في نهاية المطاف أركان الدولة الروسية برمتها.
الفشل الذي مُني به الغرب حتى الآن في أوكرانيا، تبعته هزيمة أخرى على الأرض الروسية عبر انكفاء قوات فاغنر، وعودتها بهدوء الى مواقعها.
إنها مسألة حياة أو موت، إذ لا يمكن لبوتين بأيّ شكل من الأشكال، أن يفرّط بقوة، ووحدة، وهيبة روسيا، وأمنها القومي، وإنْ أدّى ذلك الى إكراهه الذهاب بعيداً في معركة حاسمة يرى أنه لا بدّ منها. وما الحلّ الذي توصّل اليه «الوسيط» البيلاروسي لوكاشينكو، إلا ليبعد الحرج عن بوتين وعن پريغوجين، ويجنّبهما خوض غمار حرب لن تكون بكلّ تأكيد في صالح صاحب شركة فاغنر، ومرتزقته العسكريين.
لكن ماذا عن دور الغرب في تمرّد وتهديد پريغوجين؟!
بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة من موسكو، لا سيما من أجهزة استخباراتها…
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق