تحرّكات أميركية شرق سورية… ماذا عن الأهداف؟
} رنا العفيف
الوقائع الميدانية في شمال شرق سورية، تأتي في ضوء المتغيّرات الحاصلة، لا سيّما الحديث عن التعزيزات العسكرية للجيش السوري الذي يتولّى مهامّه على محورين، وكذا إقدام الولايات المتحدة الأميركية على تحريك قوافل وأسلحة إلى قواعدها في الحسكة ودير الزور بالإضافة إلى تدريبات عسكرية.
فما أهداف الوجود الأميركي العسكري في شمال شرق سورية في هذا التوقيت؟ وهل وجوده مرتبط بمطالب سياسية معيّنة تخصّ الملف السوري؟
طبعاً لدى موسكو معلومات تفيد بأنّ الولايات المتحدة الأميركية تعزّز وحداتها العسكرية في سورية، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص الكسندر قال إنّ الولايات المتحدة تعزّز وجودها العسكري شمال شرق سورية وكذلك في التنف، كما أنّ سورية وتركيا وإيران اتّفقوا على مفهوم خارطة الطريق الذي قدّمته روسيا لتطوير العلاقات بين أنقرة ودمشق، مشيراً إلى اتفاق الجميع على عدم التأخّر في مسار تطبيع العلاقات.
وهنا نتحدّث عن مسار التقارب السوري التركي الذي يربط الأحداث السياسية وما يليه من تبعات غربية لعرقلة هذا المسار، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية التي تحاول نصب رأس الحربة من جديد في المنطقة، وحول مغزى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سورية في هذا التوقيت واستقدام المزيد من قواتها العسكرية هناك بحجة محاربة داعش، تلك الأكذوبة السياسية التي تخفي معالم الجريمة السياسية والميدانية للولايات هناك حيث تقوم بإدارة الميليشيات لمحاربة الدولة السورية، كما تفعل في أوكرانيا.
والفرق هنا ليس بكثير، لأنّ الولايات المتحدة تحارب بشكل مباشر وتدعم الإرهاب لمحاربة الدولة السورية وضرب الجيش العربي السوري وحلفائه، بينما في أوكرانيا لا تنخرط بشكل مباشر تكتفي بالدعم اللوجستي والعسكري ولا يهمّها ما يجري في أوكرانيا، وبالتالي واشنطن تخلق لنفسها واقع جديد يتعلّق بدخولها في أجواء الصراعات المتعددة وهي متنقلة بكمائن الغدر والفتن في المنطقة ككل، ليس فقط في شمال شرق سورية، وذلك لأهداف جيوسياسية تنص على ضرب التقارب التركي السوري، وإن كان جزء كبير لسبب نقل التعزيزات العسكرية الأميركية هو لفرض وجودها، محاوِلة بذلك التوسّع والسّيطرة على الحدود السورية العراقية، ووصل قاعدة التنف في شمال شرق سورية عبر المجموعات الإرهابية التي تعمل لصالح الإدارة الأميركية.
أيّ تعمل الولايات المتحدة على فرض مخططات سياسية من خلال هذا التحرّك لقلب الطاولة ومن ثم خلق واقع جديد كما كان في السابق وفشلت بذلك، لذا هي اليوم تقوم على إيجاد أدوات فتنوية لإشعال المنطقة لصرف الأنظار عما يحصل ما بين سورية وتركيا، وهذا يدلّ على أنّ مسار التقارب التركي السوري بالمجمل يحمل إيجابيات سياسية تفاؤلية بنسب متفاوتة، وإلا لما رأينا أميركا تعمل على سياسة ربط المواقع الجغرافية ببعضها في هذا التوقيت الذي له دلالات متلاحقة…
على سبيل المثال التصريحات الأميركية المتسارعة والتركيز على أن لا تتعافى الدولة السورية، وكذا حرمان الدولة السورية من مقدراتها في النفط والغاز وعدم استعادة سيطرتها على هذه الإمدادات وبالتالي السيطرة عليها ما لم يكن سرقة المخزون الغذائي وإنتاج القمح الذي هو من حق الدولة السورية وأبناء الشعب السوري.
وذلك استنتاج سياسي من خلال محاولتها الفصل بين سورية والعراق، وتقويض المعارك الحامية التي يقودها الجيش السوري في المنطقة لدحر بقايا داعش، وبالتالي المشروع الأميركي هنا تحديداً هو فصل شمال شرق سورية بالكامل عن سورية واحتلال آبار النفط، إضافة إلى محاولة وصل ما يسمّى كردستان الغربي وكردستان الشرقي… لماذا؟
لترسيخ الوجود الأميركي وحماية أجنداتها، وإفشال كلّ مشاريع عودة سورية وتعافيها بما في ذلك اللّبنة الأساسية وهي نسف التقارب التركي السوري بالدرجة الأولى، عدا أيضاً عن الأهداف المتعلّقة بالوجود الإيراني واقترابه من خطوط التواصل مع العراق والمتوسط ولبنان، إذ كلّها خطوط أهداف سياسية تلاحقها واشنطن عن كثب، نظرا لأيّ اقتراح سياسي يغدو بمغادرتها المنطقة ما لم تكن لديها مطالب سياسية مقابل ذلك؟
وفي ما هو متعلّق بالبيان الختامي لأستانا، ربّما قد نشهد توتّرا لطالما أنّ هناك تقارير أميركية أو لنقل تسريبات أميركية تقول إنّ روسيا تشجّع طيّاريها على المخاطرة في الأجواء السورية؟ طبعاً هذا الاتهام الأميركي مقصود لأنّ أميركا تخشى على قواعدها الأميركية في كونيكو وحقل العمر، كما له خلفيّات سياسية ذات الأهداف العسكرية أخرى عالية المستوى وهي مشابهة لتلك الأهداف العسكرية في أوكرانيا التي تقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية لكونها جزء أساسي من الصراعات القائمة.
وبالتالي تحاول واشنطن تصدير نفوذها من جديد كواقع سياسي بعد أن أدركت أنّ هناك تطبيعاً تركياً سورياً بشكل تدريجي، فسارعت باتجاه التحرّك العسكري تحسّباً لأيّ عمل عسكري ربّما مشترك بين سورية وتركيا حينما استقدمت قواتها العسكرية إلى قواعدها في الحسكة ودير الزور، بالإضافة إلى إجراء تدريبات عسكرية بالشراكة مع قسد ومجلس دير الزور العسكري، وكذا نصب منظومة هيمارس في قواعدها في كونيكو والعمر والشدادي والرميلان، لا سيّما أنّ هذا كلّه يأتي وسط تسريبات تفيد بأنّ الولايات المتحدة تعمل على سياسة عودة قواعدها في الرقة وعين عيسى وصولاً إلى عين العرب التي وصلت إليها دوريات عسكرية أميركية، ناهيك عن لقاء شخصيات قد تكون عربية لاستكمال مشروع تأسيس قوة عربية فيؤ مسعى جديد يتمحور حول مشروعها، وهذا كان له زخم إعلامي أميركي من قيادات الأحزاب الكردية المدعومة أميركيّاً، وبالتالي ربّما هنا أخذت الولايات المتحدة الأميركية قرار المواجهة بتعزيز وجودها ربّما لطالما الملف السوري يأخذ مسار التهدئة.
ولكن مقابل هذا لا يروق للولايات المتحدة أن ترى سورية والمنطقة تنعم بحالة من الاستقرار، وقد تلجأ للتصعيد، وبناء عليه قد يشهد الشمال السوري حيث في غرب سورية تعزيزات عسكرية لقوات النّخبة في الجيش السوري الذي يتولّى مهامّه على محورين.. الأول على خطوط التماس مع فصائل أنقرة ومناطق التماس مع هيئة تحرير الشام في الريف الغربي لحلب، والثاني قرب مناطق العمليات في إدلب، وهذا بالمعنى العسكري قد يكون هناك خياران عسكريان أحلاهما مر مشابه لما رأيناه في أفغانستان…