اليوم الأول بعد معركة جنين: رغم القتل والدمار إحباط في الكيان… واحتفال فلسطينيّ بالنصر / رعد: لا نريد تغيير النظام ولا تعديل الطائف ولا التأقلم مع الفراغ… ولا بديل عن الحوار / الراعي يُعيد التلميح للمؤتمر الدولي… والتيار يمهّد لمبادرة نحو الحوار حول المشروع والرئيس /
كتب المحرّر السياسيّ
كشف مشهد مخيم جنين بعد انسحاب جيش الاحتلال عن حجم الدمار والخراب الذي نتج عن ما وصفه بعملية جراحية نوعية، لملاحقة مطلوبين قالت مصادر إعلامية في الكيان إنها تضمّ أسماء لـ 27 مقاوماً من مختلف الفصائل، فشلت محاولات قتل أو إصابة او اعتقال أي منهم، لكن تم تدمير 800 منزل، وقتل 12 مدنياً وإصابة أكثر من 100 بجروح بينهم نساء وأطفال، وبينما تحوّلت جنازة الشهداء الى احتفال بالنصر وتأكيد على التمسّك بخيار المقاومة والثبات على موقف الدفاع عن المخيم في مواجهة أي حملة قادمة، كانت النقاشات في الكيان حول نتائج العملية تكشف حال الإحباط من فشل قوة ضخمة بحجم ما تمّ الزج به في مخيم لا تزيد مساحته عن نصف كيلومتر مربع، لم يتمّ التوغل في أقل من نصفه، عن الفوز بمواجهة عشرات من المقاومين.
مشهد جنين فتح النقاش حول مخاطر تحوّل المخيم الى رمز للمقاومة والى قلعة للمقاومين، وصولاً الى تحوله الى غزة جديدة، مع عجز جيش الاحتلال عن الدخول اليه مجدداً رغم الحديث عن نية شن هجمات مقبلة.
في لبنان يتمدّد الفراغ الرئاسي ويستحكم الاستعصاء السياسي حول الرئاسة، فيعود البطريرك بشارة الراعي الى التلميح للمؤتمر الدولي تحت شعار فشل السياسيين، بينما تؤكد المعلومات المتواترة حول الاهتمام الخارجي المتراجع بلبنان إلى أن إضاعة المزيد من الوقت على رهانات انتظار الخارج، لن تفلح سوى بتمديد الفراغ، بينما قال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، إن لا حل أمام اللبنانيين إلا الحوار نافياً كل حديث عن نية حزب الله السعي لتغيير النظام أو تعديل الطائف، بينما أشارت مواقف قيادات التيار الوطني الحر وبيان هيئته السياسية إلى نية التحضير لجولة على الكتل النيابية لاختبار فرصة التحرّك نحو حوار يطال السعي للتوافق على المشروع السياسيّ الذي يجب أن تنفذه حكومة العهد الأولى واسم الرئيس.
فيما دخل الملف الرئاسي ومعه عجلة الدولة بمعظم مؤسساتها وأجهزتها الأساسية بدوامة الجمود والفراغ والشلل بانتظار زيارة مبعوث الرئاسة الفرنسية الى لبنان أواخر الشهر المقبل، برزت ثلاثة مواقف سياسية هامة:
الأول: دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان، ما يحمل إشارات خطيرة على انسداد أبواب الحل الداخلي والعجز عن حل الأزمة اللبنانية بتسوية رئاسية والتوجّه الى تدويل الملف اللبناني.
الثاني: إعلان التيار الوطني الحر انفتاحه على «أي حوار يساعد على إنتاج رئيس والاتفاق على الخطوط العريضة لبرنامج تتولى تنفيذه الحكومة التي سيتم تشكيلها»، ما قد يعيد إحياء الحوار بين التيار وحزب الله وبالتالي يفتح كوة في جدار الاستحقاق الرئاسي.
الثالث: حسم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بأن حزب الله لا يريد تغيير النظام رداً على اتهامات البعض للحزب، بأنه يريد إطالة أمد الفراغ الرئاسي لجر الأطراف لحوار على صيغة النظام، ما يحمل إشارات للداخل وللخارج بأن الحزب لا يزال يعمل تحت سقف الطائف والدستور.
وشدد المجلس السياسي للتيار في اجتماعه الدوري الذي عقده برئاسة النائب جبران باسيل إلى أن «سلوك بعض الكتل النيابية والقوى السياسية يوحي بأنها تدفع باتجاه التطبيع مع الفراغ الرئاسي الذي يهدّد بالتمدُّد الى مواقع أخرى في وظائف الفئة الأولى التي يشغلها المسيحيون عرفاً. ما يهدد الشراكة الوطنية مما يحمّل المجلس النيابي مسؤولية إجراء الانتخابات الرئاسية إما عبر حوار يمهّد للاتفاق على اسم الرئيس أو بالذهاب الى التصويت وليفز من يملك الأكثرية ولتبدأ بعدها عملية تكوين السلطة على اسس سليمة». ولفت الى أن «التيار الوطني الحر منفتح على أي حوار يساعد على إنتاج رئيس والاتفاق على الخطوط العريضة لبرنامج تتولى تنفيذه الحكومة التي سيتم تشكيلها».
ورأت مصادر سياسية بكلام التيار تغييراً في موقفه باتجاه أكثر ليونة ورسالة الى حزب الله لفتح حوار على كافة الخيارات، موضحة لـ»البناء» أن التيار لا يمانع الحوار على كامل المرحلة المقبلة أي على البرنامج الرئاسي وتحديد الأولويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وهوية الحكومة الجديدة التي تستطيع تطبيق هذا البرنامج ما يسهل اختيار الرئيس الذي يناسب الأولويات ويسهل تنفيذ البرنامج.
وأعاد البطريرك الراعي من جديد طرح المؤتمر الدولي. ولفت في كلمة له من بكركي، إلى أنه «طالب بمؤتمر دولي للبنان بعدما هرب السياسيون اللبنانيون من الحوار لأنهم مرتهنون لمصالحهم الخاصة»، مشيراً الى ان لا «خلاص للبنان اذا ما بقينا على ما نحن عليه»، لافتاً الى ان «لبنان مريض ولا يريد المسؤولون معالجة مرضه او معرفة سببه… ولا يحق للمسؤولين تدمير دولة وشعب من خلال تدمير النظام والدستور»، مجدداً رفضه أن «يكون العمل السياسي للخراب والهدم».
بدوره، لفت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في تصريح إثر عودته من مكة أن انتظار تسوية ما لانتخاب رئيس للجمهورية هو مزيد من الاهتراء والتفكّك في مفاصل الدولة. وقال «فليكن الحوار ضمن الأطر الدستورية هو البداية لبلورة الأفكار للتوصّل إلى حلّ يفضي بانتخاب رئيس للجمهورية، فلا يجوز التأخير والتصلّب في المواقف، ما يفيدنا هو التشاور والتلاقي والتواصل والتنازل لبعضنا البعض، لقد أصبحت مؤسّسات الدولة في وضع حرج، وإذا لم نتدارك الأمر ربما نصل إلى الإفلاس، والفوضى على كل المستويات وعندئذ لا ينفع الندم».
وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «التزام حزب الله باتفاق الطائف، وعدم رغبته في تعديل أي حرف منه»، وقال في كلمة القاها في معلم مليتا السياحي: «لن ندعو لتعديل شيء في الطائف، ونحن نريد فقط تطبيق نصه». وأشار إلى أننا «لا ندعو إلى صيغة سياسية جديدة، وكفى تشويشًا على أنفسكم وعلى الناس وإطلاق الأكاذيب والتحريض ضدنا». واعتبر أن «إذا ما طُبّق الطائف كما ورد في نصه، لتمكنا من تجاوز العديد من المشاكل والأزمات، فنحن أهل الالتزام وليس بمقدور أحد أن يعلّم علينا في هذا الأمر». وقال: «عندما نجِدُ نحن والطرف الآخر صعوبات في أن نلتزم في ما اتفقنا عليه، نبحث مع بعضنا البعض في كيفية تجاوز هذه الصعوبات، لأننا لا نعود عن التزاماتنا على الإطلاق».
وترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري بمناسبة الخامس من تموز يوم شهيد «أمل»، اجتماعاَ استثنائياً للمجلس المركزي في الحركة قدم خلاله بري شرحاً للأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة وموقف الحركة منها، كما بحث المشاركون في المجلس شؤوناً تنظيمية واتُخذت بشأنها القرارات الملائمة.
وبقيت جريمة بشري في واجهة المشهد بتداعياتها القضائية والأمنية والسياسية.
واندلع سجال بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي رأى أن ميقاتي «تجاوز بقراره البارحة تشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية، حد السلطة بشكلٍ غير مفهوم إذ إنّ مسألة النزاعات بين الحدود العقارية هي من صلاحيات السلطات القضائية وليس السياسية». معتبراً «أنّ ملف تحديد الحدود العقارية في منطقة القرنة السوداء، هو بعهدة السلطة القضائية منذ ثلاث سنوات، وأعمال المسح والتحديد تجري على قدم وساق، ولو ببطءٍ».
كلام جعجع استدعى رداً من ميقاتي عبر مكتبه الإعلامي الذي كشف أن ميقاتي اتصل برئيس اللجنة وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وطلب منه التريث في دعوة اللجنة الى الانعقاد، وبالتالي تجميد عملها، كما اتصل بوزير العدل هنري خوري وطلب منه متابعة الملف مع مجلس القضاء الاعلى لتسريع البت بالملفات القضائية ذات الصلة.
لكن القوات عادت وردت على ميقاتي مشيرة الى أن «اتصال رئيس الحكومة برئيس اللجنة المشكلة خلافاً للدستور والقانون، وطلب التريث في دعوة اللجنة للانعقاد، لا يكفي، إنما يفترض أن يصدر قراراً بإلغاء هذه اللجنة وليس تجميدها». كما اعتبرت أن «اتصال رئيس الحكومة بوزير العدل لمطالبته بمتابعة الملف مع مجلس القضاء الأعلى، يجب أن يترافق مع اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتسهيل عمل القاضي العقاري، إظهاراً للحقوق وبياناً لها».
وكان البطريرك الراعي استقبل في بكركي، وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري. وقال الأخير بعد اللقاء «القاضي العقاري الحالي سبق وأتم 8 بنود بما يخص هذه الأرض وهو بالمقابل يصطدم بعقبات كثيرة»، مؤكداً أن التحقيقات في الملف جدية. اضاف أن «القاضي العقاري في الشمال أنجز 6 بلدات وأرسل مستندات وخرائط إلى أمانة السجل العقاري ولديه حتى آخر الصيف لإرسال المستندات في ما خص البلدتين بين القرنة السوداء وبشري».
ونفت معلومات «البناء» صحة الروايات التي تروّجها جهات سياسية واعلامية عن العثور على متاريس في القرنة السوداء لاستخدامها في عمليات القنص، مؤكدة بأن «التحقيقات لم تصل الى هذا العمق، ولم يتم العثور على أدلة واضحة وملموسة ولا فيديوهات أو داتا معلومات ترجح إحدى الفرضيات». وأوضحت أن «الأجهزة الأمنية والقضائيّة تجري تحقيقاتها مع الموقوفين كشهود وليس كمتهمين».
ووفق المعلومات، فإن الضحية الثانية سقطت إثر اشتباك بين قوة مسلحة كانت تتجه من بشري الى الضنية على خلفية سقوط الضحية الأولى، وبين وحدة من الجيش اللبناني حاولت منعهم من الوصول الى الضنية للحؤول دون توسع الاشتباك بين أهالي المنطقتين.
ورأت مصادر سياسية شمالية أن تداعيات الحادثة لم تنتهِ، مشيرة لـ»البناء» الى أن «بعض الجهات تعمل على النفخ في الفتنة للتحضير لأمر أو مخطط ما قد يجر المنطقة الى حالة تصعيد ويستدل على ذلك من خطابات بعض الجهات السياسية». ولم تلغِ المصادر «احتمال أن تخفي الجريمة مشروعاً سياسياً أمنياً في المنطقة في ظل الحديث عن الفدرالية».
وعن كلام بعض المرجعيات السياسية والروحية بأن القاتل معروف، تساءلت الأوساط: إذا كانت الأجهزة الامنية والقضائية المعنية لم تصل الى نتيجة نهائية للتحقيق، فكيف هؤلاء يعرفون؟ ولماذا لا يضعون معلوماتهم و»حقائقهم» في تصرف وعهدة الأجهزة الامنية والقضائية بلا رمي التهم في الإعلام جزافاً، ودعت الى عدم استباق التحقيق، واستغربت إطلاق العنان للاتهامات ضد أطراف سياسية، مشيرة الى أن بعض الجهات تقود حملة اعلامية سياسية مستغلة الجو الغضب السائد في المنطقة للتحريض على المنطقة المجاورة للنفخ في الفتنة.
وفضلت مصادر مقربة من النائب فيصل كرامي لـ»البناء» عدم الرد على الاتهامات والروايات المختلقة التي تسيء قبل انتهاء التحقيق وكشف ملابسات الجريمة ودوافعها بسرعة لقطع أي محاولة للتوظيف السياسي، مؤكدة بأننا «لن ننجر الى السجال ولأي مشروع فتنة يغذي مشاريع التقسيم».
على صعيد آخر، رأس ميقاتي اجتماعاً للبحث في موضوع موازنة العام 2023، وتم خلال الاجتماع استكمال البحث في البنود والاقتراحات على ان تكون المسودة النهائية للموازنة جاهزة خلال أسبوع لتوزيعها على الوزراء تمهيداً لدرسها في اجتماعات متتالية لمجلس الوزراء.
وعلمت «البناء» أن مجلس الوزراء سيعقد جلسة الأسبوع المقبل بعد تحضير جدول أعمال الجلسة والتي سيتصدرها مشروع الموازنة والكهرباء وبعض المراسيم المتعلقة بالعمداء والعقداء المتقاعدين. ونفت مصادر «البناء» أن تكون التعيينات على جدول أعمال الجلسة المقبلة، على أن يقوم ميقاتي بمروحة اتصالات مع المرجعيات السياسية لتأمين تفاهم على سلة تعيينات في مواقع عليا لا سيما في المجلس العسكري.
وللمرة الثانية على التوالي، اجتمع رئيس الحكومة مع قائد الجيش العماد جوزف عون وعرض معه الوضع الأمني وشؤون المؤسسة العسكرية. كما تطرق البحث الى الوضع في الجنوب في ضوء التعديات الاسرائيلية. في هذا الإطار، رفعت قوات الاحتلال الاسرائيلي من وتيرة انتهاكاتها للخط الأزرق في عدد من النقاط المحاذية لبلدات ميس الجبل، حولا، مركبا وهونين، وهو ما لاقى تصدياً من الجيش اللبناني والأهالي. وتصدّت قوة من الجيش اللبناني لجرافة إسرائيلية معادية كانت تعمل على تجريف التربة خارج السياج التقني وتحاول خرق الخط الأزرق ونقطة اعتلام عند حدود بلدة ميس الجبل. ومنعت عناصر الجيش اللبناني الجرافة المعادية من إكمال عملها في منطقة كركزان عند الاطراف الشمالية لميس الجبل، مما أجبرها على الانكفاء، وسط انتشار لعدد من آليات العدو العسكرية وجنوده الذين تمركزوا خلف الأشجار والصخور، كما حضرت الى المكان دورية من قوات اليونيفيل ووثقت الخرق المعادي.