شهادة سعاده
تبقى شهادة مؤسس وزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده فريدة بين شهادات القادة. فالقادة الذين سقطوا شهداء في مسيرتهم النضالية، سقطوا في ساحات القتال تحت عنوان يتصل بالصراع الأوسع حول قضايا بلادهم وشعوبهم، فقدّموا مثالاً لشعوبهم والمناضلين ورفعوا من مكانة القضايا التي يقاتلون لأجلها، بصفتها قضايا تستحق الموت لأجلها؛ أما سعاده الذي كان مستعداً لشهادة مماثلة بلا تردد، فقد استشهد في سياق آخر يمنح شهادته هذه الفرادة.
محور شهادة سعاده يدور حول أنه اختارها بوعي في لحظة كان يملك فرصة التراجع والمناورة، وأن عنوانها كان امتحانه الشخصي لنفسه ومشروعه وصدقية إيمانه بعقيدته وحزبه، وصولاً لمنح روحه بكل ثقة، معلناً بيقين أنه جاهز للشهادة وتقبّلها، رغم أن أمامه الكثير من العمل، لأنه واثق بأن حزبه باق، وأن عقيدته كافية لإلهام أجيال قادمة على مواصلة خوض الصراع، والنهوض بأمته نحو التقدّم والوحدة.
في ذكرى استشهاد سعاده، ننظر نحو حزبه، بعين مختلفة، تقرأ معنى أن دماء سعاده كانت الشعلة التي منحت هذا الحزب وقود الصمود بوجه المحن، ووصية سعاده عند استشهاده بأن حزبه باق وسوف ينتصر، تحوّلت إلى وصية شخصية لكل قومي للحفاظ على الحزب وبقائه، لكننا ننظر إلى عقيدة سعاده، فنجد كيف أنها أقرب لمحاكاة وقائع اليوم من وقائع الأمس، وكيف أن النهضة التي تدعو إليها لا تزال الردّ الوحيد على التحديات التي تواجه كيانات الأمة مجتمعة ومنفردة.
قرر سعاده تقبّل الشهادة برضى تام ويقين كامل بأن عقيدة تقول بقتال كيان الاحتلال وإعادة توحيد الكيانات التي مزقتها اتفاقيات سايكس بيكو، ولو بصيغ من التكامل، توحّد المقدرات أن لم توحّد الكيانات، وبناء دولة المواطنة على أنقاض التمزق الطائفي، تمثل وصفة كافية لتجاوز الانحدار والانهيار وإطلاق نهضة سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية.
بقي حزب سعاده، لكن نداء سعاده يجب أن يدوّي في عقول القوميين وقلوبهم، ليكون الحزب كما تخيّله سعاده، بعيداً عن الأنانيات والعصبيات الفئوية الضيقة، وبقيت عقيدته، لكن يجب أن تثير أفكار سعاده لدى النخب المثقفة النقاش حول خريطة طريق للخلاص، بعيداً عن الحساسيات الصغيرة والتحزب المسبق، بل بحثاً عن الحقيقة المجردة.
شهادة سعاده فرصة للتأمل هنا وهناك، لأن حزبه وعقيدته خشبة خلاص لا يجوز أن تحاصرهما هموم واهتمامات صغيرة.
التعليق السياسي