انضمام إيران إلى شنغهاي… تحوّلات استراتيجية
} د. حسن مرهج*
رسمياً إيران تحصل على العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون. هو تحوّل بعناوين متعدّدة، ستقضّ مضجع الولايات المتحدة، ولا شك بأنّ منظمة «شنغهاي»، التي تأسّست عام 2001، ومقرّها بكين، بقيادة روسيا والصين، وتضمّ: الهند، باكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وإيران مؤخراً، تهدف إلى تعزيز سياسة حسن الجوار بين الدول الأعضاء، إلى جانب دعم التعاون في ما بينها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ومواجهة التكتلات الدولية بالعمل على إقامة نظام دولي ديمقراطي وعادل، الأمر الذي يهدّد الهيمنة الاقتصادية الأميركية في المنطقة، فضلاً عن جملة من التحديات التي ستضع الولايات المتحدة، أمام واقع جديد عنوانه «شنغهاي»، والتكتلات الإقتصادية الجديدة المُهددة للعامل الأميركي المؤثر في عموم المنطقة.
الحديث عن منظمة شنغهاي وأعضائها، يضعنا أمام معادلات اقتصادية ضاغطة على الولايات المتحدة، وهذا الأمر يمكن سبر أغواره، من خلال مسار التكتل الاقتصادي المناهض للاقتصاد الأميركي، وهنا لا نتحدث عن أمنيات، بقدر ما نتكلم عن حقائق ستبصر النور قريباً، وبصرف عن النظر عن أنّ منظمة شنغهاي للتعاون ملتزمة بإقامة نظام عالمي عادل ومنصف مع دور مركزي للأمم المتحدة، لكن ما هو أهمّ هو انضمام إيران رسمياً لهذا التكتل الاقتصادي، والذي سيعمل على تشكيل منظومة عالمية متعددة الأقطاب، قائمة على التعاون في ظلّ التناقضات الجيوسياسية التي أصبحت أكثر حدة في العالم.
واقع الحال يؤكد، بأنّ إيران وعلى اعتبار أنها قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة في المنطقة، ولديها تعاملات اقتصادية مع دول عديدة، بما فيها العاملة تحت العباءة الأميركية، لكن حين نتحدث عن الاقتصاد، نتحدث عن قوة بمعان متعددة، وهذا ما تملكه إيران واقتصادها ومقوماته القوية، وهنا لا يمكن لأحد أن ينكر، حاجة العالم للمنتجات والصناعات الإيرانية، سواء النفطية أو غيرها من المواد الغذائية، وبالتالي فإنّ العامل الإيراني في المجال الاقتصادي، سيكون له تأثيرات كبيرة حيال فرص اقتصادية متجددة، وتحديداً في هذا التوقيت الذي يفرض على الجميع البحث والتشبيك، مع قوى اقتصادية لها تأثيرات كبيرة في خارطة اقتصاد العالم.
ومع انضمام إيران الى منظمة شنغهاي، سنكون أمام تحوّلات استراتيجية جديدة، حيث سيتمّ التحوّل تدريجياً إلى هندسة التعاملات التجارية، عبر العملات الوطنية، والاستغناء عن هيمنة الدولار، ولعلّ ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة شنغهاي، حين قال، إنّ تعاملات روسيا بالروبل مع دول منظمة شنغهاي للتعاون تجاوزت الـ 40 بالمئة من حجم المبادلات، فيما تتمّ أكثر من 80 بالمئة من التجارة بين روسيا والصين بالروبل واليوان»، معرباً عن «دعم روسيا لتوسيع التعاون في منظمة شنغهاي في مجالات الاقتصاد والأمن»، والأهمّ ما قاله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بعد انضمام إيران رسمياً لـ»شنغهاي»، «بناء نظام دولي عادل يتطلب إزالة الدولار».
كلّ ما سبق يضعنا أمام معادلة واضحة المعالم، فالعالم أجمع ضاق ذرعاً بالسياسات الاقتصادية الأميركية، وهيمنة الدولار، وقد بات ضرورياً البحث عن تكتلات تقف سداً منيعاً في وجه الغطرسة الأميركية، من هنا فإنّ انضمام إيران الى منظمة شنغهاي، يعني بأنّ ثمة تحوّلات استراتيجية تلوح في أفق الاقتصاد العالمي، وبالإضافة الى روسيا والصين وغيرهما من الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، إلا أنّ انضمام إيران رسمياً لمنظمة شنغهاي، يعني أولاً أرقاً للولايات المتحدة، وثانياً اقتصاداً إيرانياً قوياً ولديه تجارب واسعة في الالتفاف على العقوبات الأميركية، وثالثاً عملة إيرانية لها وزنها في سياق التعاملات التجارية بين دول منظمة شنغهاي، وربما دول أخرى، كلّ ذلك يجعل من وجود إيران في منظمة شنغهاي، نقطة تحوّل هامة في ماهية الاقتصاد العالمي، وستتكشف معالمه قريباً…
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية