الغجر اللبنانية ومعادلات الاحتلال واللبنانيون
ناصر قنديل
– التوتر الذي بدأ في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا احتجاجاً على عمليات التجريف التي يقوم بها الاحتلال، تمهيداً لبناء الجدار الفاصل، في سياق خطة مواجهة خطر العبور الى الجليل، بعد إعلان المقاومة مراراً أن أي مواجهة مقبلة سوف تشهد عبور المقاومين إلى الجليل. وجاءت مناورة العبور قبل أقل من شهرين لترفع هذا التهديد إلى مستوى أعلى. وفي مواجهة عمليات التجريف تدرّج لبنان من مواجهات شعبية الى موقف حكومي إلى تدخل الجيش اللبناني، وتوّج بوضع المقاومة خيمتين في المناطق اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا، حيث أعلن الاحتلال أنه ناقش على مستوى الحكومة الأمر واتخذ قراراً بنزع الخيمتين، وردت المقاومة عبر موقف علنيّ وإبلاغ مَن يلزم أن أي محاولة لنزع الخيمتين ستلاقي المواجهة اللازمة.
– انتقلت الأضواء إلى الشطر الشمالي من بلدة الغجر الذي يخضع للدولة اللبنانية، ومعلوم أن وضعها مختلف عن وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ففي العام 2000 بعد انسحاب الاحتلال من الجنوب، تم وضع الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة وقد أدى بقبول لبنان والاحتلال، الى تقسيم بلدة الغجر إلى قسمين، لبناني في الشمال، وسوري ظل محتلاً كجزء من الجولان، وخلال حرب تموز 2006 أعاد الاحتلال سيطرته على الشقّ الشمالي من البلدة، وجاء القرار 1701 الذي قام عليه وقف الحرب، يدعو إلى مساعٍ أمميّة للتوصل الى حل للنزاع حول مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لكنه يدعو بوضوح الى انسحاب الاحتلال من شمال الغجر، ووافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لسحب قواتها من الشطر الشمالي، لكنها لم تقم بتنفيذه، وفي سياق خطتها لبناء الجدار على الحدود اللبنانية قامت بتوسيع نطاق الأسلاك الشائكة إلى نقاط جديدة.
– تطرح قضية بلدة الغجر سؤالاً جوهرياً على الحكومة اللبنانية، وعلى الأطراف اللبنانية المناوئة للمقاومة بصورة خاصة، التي تتذرّع وراء حجة واهية حول موقفها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، عبر المطالبة بترسيم الحدود مع سورية ليتسنى الحديث عن لبنانيّة المزارع، علماً أن لا الأمم المتحدة ولا قيادة الكيان تجرأتا على قول هذا الكلام بارتباط الانسحاب منها بترسيم الحدود، لأن الوثائق المطلوبة من سورية لإثبات لبنانيتها موجودة في عهدة الأمم المتحدة، ولأن ذريعة رفض الانسحاب منها تعود لاعتبارها مشمولة بالقرار 242 وليس القرار 425، وعلماً أنه بعد القرار 1701 وما تضمنه لجهة القيام بالمساعي اللازمة لحل النزاع حول المزارع وتلال كفرشوبا، وقد تبلورت مبادرة أممية تقوم على انسحاب الاحتلال منها وتسليمها لليونيفيل ريثما يتمّ حسم مصير الجولان، والانسحاب منه فيتم البت بالأمر بين لبنان وسورية والأمم المتحدة. وقبل لبنان بالمبادرة ورفضتها حكومة الاحتلال، لكن بعيداً عن كل هذا الجدل فإن وضع الجزء الشمالي من الغجر واضح وبائن، سواء لجهة وضوح التسليم بهويتها اللبنانية من الاحتلال في ترسيم الخط الأزرق، أو لجهة النص الواضح في القرار 1701 على وجوب الانسحاب منها، فما هو موقفهم؟
– الذين يقولون إن لبنان لا يحتاج إلى المقاومة وسلاحها ليحفظ سيادته بوجه الاحتلال هم أول المعنيين بالجواب عن سؤال: لماذا لا تستفيدون من هذا الوضع لإثبات نظريتكم، وتقديم مثال عملي عن كيف يمكن حماية السيادة دون المقاومة. فالأرض باعتراف الاحتلال لبنانية، والانسحاب منها واجب نصاً بوضوح في قرار أممي لا تنفكون عن تكرار تمسككم به، هو القرار 1701، فلماذا تهربون من الامتحان؟ أما المقاومة فقد قدمت إثباتها العملي عن كونها القادرة على حماية السيادة، وربما نكتشف غداً أن سقف ما يمكن للحكومة فعله هو توظيف وجود خيمتين للمقاومة في مزارع شبعا للتفاوض على مقايضة إزالتها باستعادة السيادة على الجزء الشمالي من بلدة الغجر، بحيث يصبح واضحاً أنه لولا زرع المقاومة لخيمتيها وخشية الاحتلال من المواجهة معها لما تمت استعادة الجزء الشمالي من الغجر، فيكون الفضل مجدداً للمقاومة؟