أولى

من يُصلح الملحَ… إذا الملحُ فسَدْ

‭}‬ إنعام خرّوبي
رغم السيناريوات المتشائمة والرؤى الضبابية التي تلفّ مصير القطاع التربوي الرسمي في لبنان، لا سيما الوضع المزري للجامعة الوطنية، جاء التصنيف الدولي للجامعات العالمية (QS) لعام 2024 أواخر الشهر الماضي، والذي احتلّت فيه الجامعة اللبنانية المرتبة 577 عالمياً، بما يبعث الأمل ويُثلج الصدور بأنّ القطاع التربوي الرسمي في لبنان لا يزال مُحصّناً وعصيّاً على السقوط.
من بين سبع جامعات لبنانية تمّ تقييمها في تصنيف QS العالمي لعام 2024، احتلت الجامعة اللبنانية المرتبة الأولى محليّاً على مستوى مؤشر السمعة المهنية/ أي رأي جهات العمل، والمرتبة الثانية محليّاً على مستوى السّمعة الأكاديمية.
ولكن… إلى متى تستطيع الجامعة اللبنانية أن تصمدَ بتلك الإمكانيات الضحلة مترافقة مع إهمال الدولة والوضع الاقتصادي والصراعات السياسية التي تعصفُ بالبلاد من كلّ حدب وصوب؟
دائماً في الحديث عن الحروب والانتصارات يحضر في أذهاننا مصطلح «الجندي المجهول»، أما في ما يخصّ الجامعة اللبنانية فهناك جيش مجهول بكامله، أو بالأحرى، مُتجاهلٌ عمداً، ولطالما شكّل النظام التربوي، الأساتذة خصوصاً، الدرع الحامي لأهمّ المؤسّسات في الدولة وفي كلّ دولة، ألا وهي الجامعة الوطنية.
فأين نحن من ذلك في لبنان، ومن أين سيأتي الأساتذة الجامعيون بمقوّمات الصمود في ظلّ تدني القيمة الفعلية والشرائيّة لرواتبهم، والتأخير الدائم في تحويلها مع متمّماتها الهزيلة وملحقاتها التي لا تدخل في صلب الراتب، وكلها مجتمعة تشكل أقلّ من 10% من راتب الأستاذ قبل الأزمة، مع تراجع الموازنة التي كانت مُخصّصة لها قبل الأزمة من 250 مليون دولار إلى 10 ملايين فقط.
لا شكّ في أنّ تحقيق الجامعة اللبنانية تقدماً وفق هذا التصنيف العالمي إنجازٌ كبير إلا أنّه لا يعني أن ينام المسؤولون والمعنيون على حرير التصنيفات، كما عشنا طويلاً كذبة «سويسرا الشرق»، وفي الواقع إنّ الفضل بهذا التصنيف يعود إلى أساتذة الجامعة اللبنانية وإدارتها وطلابها، ويجب التعاطي معه على أنه مسؤولية كبيرة وناقوس إنذار يُدقّ في السنة الدراسية المقبلة، خصوصاً مع تراجع مؤشرات البحث العلمي وفق التصنيف، وهذا يتطلب التمسُّك جدّياً بجامعتنا الوطنية ودورها وحماية الأساتذة وحفظ مكانتهم العلمية والأكاديمية وعيشهم الكريم وتوفير الظروف الملائمة لتفرُّغهم لرسالتهم السامية، ومعالجة ملفات هامة كالملاك والتفرغ ودعم موازنة صندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية، وتأمين التغطية الصحية وغيرها من مقوّمات الصمود للأساتذة، بدل تركهم مع سائر مستحقاتهم وملفاتهم لمصير مجهول، بسبب إهمال المسؤولين والمعنيين، ودفع مربي الأجيال، مُكرهين، إما نحو أعمال أخرى جانبية تُعينهم على العيش، أو إلى الهجرة بحثاً عن فرص أفضل في بلد يُجزيهم وفق تحصيلهم المرموق، وليس اعتبارات فئوية أخرى.
وهنا يحضر بيت من الشعر للفقيه الكوفي سفيان الثوري (715م – 778م)، وهو في الحقيقة موجّه لمن يدّعون حرصاً على القطاع التعليمي في لبنان، لكنّهم في الحقيقة ينهجون، بحجة الأوضاع الراهنة ومحدودية الإمكانات، منهجاً معاكساً قد يقضي على القطاع بشكل قد يصعب إصلاحه، إذ يقول الثوري:
يا رجال العلم يا ملح البلد
من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى