أولى

ميثاق جديد (4) فرنجية أو النظام…؟

‭}‬ مأمون ملاعب
يصدر عن بعض الأوساط وبعض الإعلاميين أنّ ثنائي حزب الله وحركة أمل يخيّر المسيحيين (كتل الأحزاب الطائفية المسيحية) بخيارين أحلاهما مرّ. إنما الحقيقة هي أنّ تلك الأحزاب تريد من ذلك إظهار مظلومية وقعت عليها علها تساعدها في التحصّن بالعصبية الطائفية وتمكنها من رفض ايّ خيار لا يناسبها.
حين يُطرح موضوع الحوار حول مسألة الاستحقاقات في لبنان تبادر الأحزاب الانعزالية إلى طرح مشكلة «حقوق» المسيحيين. رئيس الجمهورية منصب مسيحي ويجب أن يحظى برضى المسيحيين (وكأنه ليس رئيس كلّ لبنان) وتساند البطريركية المارونية هذا التوجّه. حين تكون القضية قضية حقوق طائفة ما، فمن البديهي أن تقابل بحقوق بقية الطوائف وبذلك تتراجع مصلحة الدولة الكيان. إنّ ما لم تستوعبه النزعة الانعزالية حتى الآن أنّ مساحة لبنان هي 10452 كلم مربعاً. رغم كلّ شعارات بشيرهم. بقي ذلك مجرد شعار وبقي لبنانهم من زغرتا إلى جزين. وضعوا كتب تاريخ المدارس على أنّ لبنان تأسّس مع فخر الدين مروراً ببشير الشهابي والمتصرفية. لم ندرس تاريخ بيروت في تلك الحقبات وطبعاً لم ندرس تاريخ طرابلس وعكار والجنوب والبقاع بما فيه زحلة. منطق الفدرالية المطروح منذ السبعينيات والمتجدّد اليوم ليس إلا إحياء للمتصرفية، باقي المناطق أقلّ لبنانيّة ومواطنوها من الدرجة الثانية.
لبنان ليس فخر الدين ولا بشير، لبنان هو غورو بالعلن، وضمناً هو تخطيط غربي واتفاق بين فرنسا والبطريركية. وتفاهم بين الوكالة اليهودية والبطريركية دون أيّ مراعاة لمشاعر أو طموحات أو آمال بقية اللبنانيين. أما ملاقاة الطائفة السنية ذلك من خلال الميثاق فقد تمّ عبر الشخصية الماسونية والتي التقت باليهود أيضاً رياض الصلح. فكان للبنان الاستقرار المؤقت ملحقاً بالغرب. كان شعار الحياد هو الأنسب حتى دون حلّ لقضية اللاجئين ودون مراعاة لمشاعر اللبنانيين. الحياد هو تحرّر من أهمّ مسألة في القضية القومية ولا يشكل تطبيعاً أو اعترافاً بالعدو. حالياً تعود فكرة الحياد من الصرح البطريركي ويطرح أيضاً المؤتمر الدولي لحلّ معضلة الرئاسة، يبقى لهم أن يطرحوا الانتداب.
الفريق الذي يعترض على فرنجية لا يخفي خصومته مع فريق الممانعة ويعارض أيّ مرشح له وفريق الممانعة لا يُخفي إرادته بصون المقاومة وسلاحها. لبنان الآن أمام إعادة التاسيس… لبنان غورو طعن عام 1976 ودخل العناية المركزة ومات مع الطائف رغم تدخل 1982. ولبنان الطائف أصيب بجروح بالغة في 14 شباط 2005 وما زال في العناية الفائقة، وإنّ أيّ تعديل جديد للنظام لن يعيد إلى الطائفة المارونية أيّ مكتسبات بل على العكس تماماً لذلك وقعت أحزابهم بالخيارات الصعبة.
«إسرائيل» والغرب من ورائها لا يبالون لا بمصالح ولا بمشاعر أحد غيرهم. حين غامرت القيادات الانعزالية في حرب السنتين بالحياد وانتقلت إلى الضفة الإسرائيلية وسقط الرهان فقدّمت لهم الولايات المتحدة المساعدة بعرض الرحيل والهجرة. مكانهم يصلح لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. كان خيار رئيس الجمهورية، رئيس الجبهة اللبنانية آنذاك سليمان فرنجية الاستنجاد بالشام فاتصل بالرئيس حافظ الأسد والذي لبّى فوراً دون تردّد. فماذا كانت النتيجة؟ استغلال دخول الجيش السوري وارتكاب المجازر في عينطورة وصليما، ثم الانقلاب ضدّ الجيش السوري بالارتباط مع العدو الصهيونيّ من زحلة مروراً بالحدث وصولاً إلى التعاون مع جيش الاحتلال عام 1982. اعتقاد تلك القيادات أنّها تستطيع الاستثمار السياسي بالتعاون مع العدو كان اعتقاداً غبياً. العدو هو من استثمر فيهم فكان الثمن غالياً جداً. تهجير كامل للمسيحيين من الجبل والإقليم ثم بعد ذلك خسارة امتيازاتهم بالطائف تحت إشراف السعودية والولايات المتحدة. في المقابل كانت سورية حريصة على النظام والامتيازات.
من البديهي أنّ الضعيف والخائف قلما يثق وقلما يعطي أو يسامح، القوي الواثق من نفسه هو من يعطي ويسامح وربما يتنازل، المفارقة أنّ القيادات الانعزالية من سياسيين ورجال الدين أعطوا الثقة للعدو والغرب وحجبوها عن أهل الثقة رغم كلّ التجارب في تاريخ قريب. الاحتلال الأميركي للعراق هجّر المسيحيين والدور الأميركي في سورية أوجع المسيحيين. اليوم، ومن رفضهم لفرنجية الماروني ابن زغرتا، وبسبب انفتاحه على الشام والمقاومة يطالب البطريرك لمؤتمر دولي من أجل لبنان! من هي الدول المقترحة؟ ولماذا؟ وأين مبدأ الاستقلال والسيادة؟ وما حاجة أو سبب اهتمام أيّ دولة بلبنان؟ الأهمّ من كلّ ذلك هل ممكن لأيّ مؤتمر دولي أن يؤدي إلى انتخاب رئيس أو إلى حلّ في ظل رفض فريق أساسي من اللبنانيين؟ فلماذا المطالبة بمشروع عقيم؟
المسيحيون في سورية ومن خلال المشروع القومي والوطني يشكلون، مثلهم مثل المحمديين، قيادات وليس حالة تقوقع. أنطون سعاده زعيم، وجورج حبش وميشال عفلق قادة، فارس الخوري رئيس وزراء وو…
لبنان أمام أزمة وجود عنوانها انتخاب رئيس للجمهورية، الحوار المطلوب قد يفتح الباب إلى اتفاق يعيد التأسيس المفقود ولا مجال أبداً لميثاق جديد بين الطوائف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى