تعقيدات الرئاسة اللبنانية… العلاقات العربية السورية والأميركية ـ السورية
} روزانا رمال
الاختلاف الأميركي – الخليجي حيال العلاقة مع سورية والرؤية لنظامها السياسي الراهن وبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سدة الحكم ليس عرضياً بالنسبة للبنان الواقع تاريخياً ضمن هذه الحلقة من التأثيرات، كما أن التوجه الخليجي باستثناء “قطر” نحو تطبيع العلاقات مع سورية ضمن أطر وحسابات سياسية بديهية ليس أمراً عادياً أيضاً. واذا كان الخلاف موجوداً ضمن البيت الخليجي الواحد حيال هذا التطبيع فكيف بالحال عندما يتعلق بالموقف الأميركي والأوروبي حيال دمشق؟..
الأشهر القليلة الماضية التي سبقت التحضيرات للقمة العربية المنعقدة في الرياض أثبتت أن ما يتعلق بخيار المصالحة العربية السورية لم يكن منسقاً مع الأميركيين أو الأوروبيين كما أوحي، بل إنّ الطرفين أرسلا إشارات امتعاض حيال هذه الخطوة في الوقت الذي رفعت فيه الدبلوماسية السعودية من منسوب حنكتها متسللة من بوابة النزوح والأزمة الكبرى للدخول في صلب الأزمة السورية وشكل خواتيم الحلول السياسية والاقتصادية فيها آخذة بعين الاعتبار المصلحة السعودية والعربية في منظارها لهذه العلاقة التي فتحت ضمن أطر أمنية رفيعة لسنوات قبل الإعلان عنها.
لم تثبت العلاقات السعودية الأميركية تقدماً في الخيارات والمراجعة التي وعد البيت الأبيض بالقيام بها حيال العلاقة مع المملكة التي لم تبصر النور بعد رغم استخدام العبارة بما يشبه التحذير بعد الزيارة الخالية الوفاض التي أجراها الرئيس الأميركي جوبايدن للمملكة بدون ان ينجح بإقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بضرورة زيادة إنتاج النفط على وقع الحرب الروسية الأوكرانية وهنا.. رفض الخليج بأكبر مصدّريه أن يكون رأس حربة هذا الصراع.
الأزمة الأوكرانية التي شعبت المشهد زادت من مستوى وحجم الخلاف. فالعلاقة السعودية الروسية المتقدمة تكفلت برسم الموازين الجديدة في الحرب وفصل مبدأ “مراعاة المصالح” بدأ منذ تلك اللحظة عند السعودية بدون أن تتبعه الولايات المتحدة وتفصل الترابط بين الملفات. واذا كان الغرب مستعداً لنقاش الحل السوري في ظل بقاء الرئيس الأسد قبل الحرب الأوكرانية ممكناً, فإن مناقشة الامر بعد الحرب بات شبه مستحيل, فسورية تمثل أكبر عمق للمصلحة الروسية في المنطقة إضافة لتمركز قواعدها العسكرية على الأرض السورية. فأي نوع من الحلول هي تلك التي تجعل من الغرب يتنازل أمام روسيا ويتقدم باتجاهها وهي التي تشن حرباً على دولة أوروبية تهدد برمزيتها باقي الدول الأوروبية، يضاف الى ذلك اعتبار الورقة السورية عنصر ضغط وابتزاز وتفاوض لن تتخلى عنها واشنطن بسهولة إضافة الى ملف النزوح؟
يتحدث “ماثيوسفايغ” وهو المدير الأول للسياسات في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وكبير مستشاري العقوبات السابق في مكتب الممثل الأميركي الخاص للمشاركة في سورية لمعهد واشنطن حول “كيف يقيد قانون قيصر تطبيع الدول مع سورية”، قائلاً: “في ما ترحب دول المنطقة بعودة سورية – الأسد إلى “الحضن العربي” بعد القمة العربية التي انعقدت في 19 أيار في جدة، من المهم دراسة مسار تطور العقوبات الأميركية على سورية، والدور الحاسم الذي لعبه “قانون قيصر” في هذا التطور، والدرجة التي يحد بها أي التزامٍ من العواصم العربية بتطبيع العلاقات الاقتصادية مع نظام الأسد… ومن الضروري أيضًا مراجعة التأثير المحتمل لقانون “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد” الذي أقرّته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي بتصويت شبه إجماعي في 16 أيار ووسّع نطاق عقوبات “قانون قيصر” ومدّد العقوبات المقرّر رفعها في العام المقبل حتى عام 2032”… باختصار يكمل سفايغ “يبدو أن وقف العمل بـ “قانون قيصر” مستبعد على المدى القريب، كما أن أي جهد تبذله الدول العربية لإغراء الأسد بالابتعاد عن سياساته الحالية من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية معه سيكون عرضة لعقوبات جمة..!”.
هذه المسألة الأكثر دقة تجعل من محطات التباعد الأميركي السعودي أوسع من دون تجاهل التقارب السعودي الإيراني برعاية صينية، وتجعل من الملف اللبناني أصعب للتوافق على شكل المرحلة السياسية الجديدة التي لا تتوقف على رئيس جمهورية فحسب، بل تتعدى ذلك الى اختيار رئيس حكومة هو من ضمن سلة الحل المنتظر وهو رئيس مفترض أن يسوي الأوضاع مع سورية بما يتعلق بملف النزوح ويترجم التوجه “السني” التاريخي للعلاقة مع الرياض عبر الانسجام مع توجهاتها بالأعم الأغلب من قبل رؤساء الحكومات المدعومين “عربياً”، كما بدت الأمور ما بعد الطائف، وبالتالي فإن شرط العلاقة مع سورية “أساسي” في المرحلة المقبلة وهو يمثل هذا الشرط الذي صار واجهة المعارك للكثير من المرشحين، وقد برز سليمان فرنجية واحداً من أهم الذين أبدوا الرغبة في تصدّر المشهد من البوابة السورية وما تحمله من حل على المستوى اللبناني. ومن هنا فإن إشكالية تقارب المرشح الرئاسي من الرئاسة السورية واعتباره تحدياً أميركياً قد يضاف الى سلسلة التعقيدات التي تحول دون التفاهم السعودي الأميركي المباشر على رئيس بخندق سياسي “واضح”، وبالتالي فإن الحديث عن أسماء تشكل حلاً وسطاً مثل قائد الجيش او سواه من الأسماء لن تكون سوى ترجمة لهذا الخلاف الكبير حيال العلاقة مع سورية وتشكيل ثنائية مع رئيس حكومة يمثل أيضاً موقعاً وسطياً بين الأطراف، خصوصاً في ظل الإدارة الأميركية الديمقراطية الحالية إلا اذا كان الانتظار سيعني ترحيل الازمة اللبنانية الى ما بعد الانتخابات الرئاسية 2024 واختيار ما يمكن أن يترجم نتائج التسويات بهوية واضحة بنقاط ربح وخسارة.
تعقيدات الرئاسة اللبنانية وإن ظهرت تبايناتها الداخلية إلا أنها لا تقل تعقيداً عن التباعد الخارجي حيال الملف اللبناني الذي لا يُنتظر أن يكون واحداً من أوراق الحسم العمودي بين الأطراف اللاعبة في المنطقة، كما لا يُنتظر من لبنان تجاهل العلاقة مع سورية بعد عودتها للحضن العربي، وبالتالي توقع الهامش الغربي المسموح للبنان حكومة ومؤسسات حيال هذه العلاقة ومستوى الاستعداد اللبناني هو أكثر ما سيتحكم بمصير وشكل العهد الجديد.