فوزي كنج «نص بطل» لن تنساه الملاعب
} ابراهيم وزنه
بتاريخ 13 تشرين الثاني من العام 2009 توقف قلب فوزي كنج عن الخفقان، «مات النص بطل» … عبارة ردّدها جيرانه وعارفوه ممن شهدوا وتابعوا مسيرته الكروية المطرّزة بالمجد، في ذلك اليوم غيّبه الموت ليبقى حاضراً في عيون الكثيرين وسيرة عطرة على كل لسان، وهو الذي قيل عنه الكثير وكتبت فيه مقالات عدّة ولطالما ملأت صوره الصفحات الرياضية. وها نحن في «البناء» وإنصافاً منا للرجل وتاريخه وتكريماً لإنجازاته الرياضية جئنا نفلفش صفحاته المضيئة. من هو فوزي كنج؟ وكيف خطّ مسيرته الكروية؟ وما هي أهم إنجازاته؟
نسر في سرب
أبصر فوزي كنج النور في العام 1935 في الشياح، وكغيره من أبناء جيله وجد في الحرش (حيث روضة الشهيدين حالياً) والملاعب الرملية المجاورة ضالته، فكان يمضي الساعات في إشباع هواياته الرياضية، خصوصاً في كرة القدم، وبسرعة وجد نفسه لاعباً مغرّداً مع فريق نسور الشياح في العام 1949 الذي كان يشرف عليه مجموعة من كبار اللاعبين في الحي وفي مقدّمهم موسى وزنه المعروف بـ «موسى سبور». ومع النسور برز بشكل لافت في مركز المهاجم الهدّاف لما كان يتمتع به من مواصفات، أبرزها السرعة والقوة وحسن التسديد مع الارتقاء في العالي، ولكونه خاض عدداً كبيراً من المباريات على عدد من الملاعب سُهلت عملية وقوعه في فخ كشّافي الأندية، فانتقل بداية إلى فريق الإخاء حارة حريك (1951) فلعب معه لسنة واحدة قبل أن يحطّ به الرحال في العام 1952 في الراسينغ، أشهر الأندية في تلك الأيّام. ومن الصدف أن الراسينغ تأسس في العام 1935 أي في السنة نفسها التي ولد فيها فوزي كنج، وفيه ذاع صيته على مستوى كل لبنان فتم اختياره ضمن صفوف المنتخب الوطني في العام 1953، ويومها لجأ القيّمون على المنتخب الى تكبيره سنة واحدة بغية تمكينه من السفر إلى مصر، فكان الأصغر سنّا في فريق الراسينغ وفي تشكيلة المنتخب أيضاً، ومن رفاقه في تلك المرحلة نذكر: جوزيف أبو مراد، الياس جورج، فؤاد الحلبي، جميل درويش، خليل الهندي ومحيي الدين عيتاني، وجاء الحصاد الأول لنسر الشياح بطولة أولى للراسينغ (1956) كان له الفضل الكبير في تحقيقها.
أحداث الـ 58 قادته
الى النجمة
بعد مسيرة هانئة في الراسينغ على مدى 6 سنوات، سافر خلالها إلى عدد كبير من البلاد العربية والأوروبية وصولاً إلى الصين وكوريا الشمالية، إندلعت في لبنان أحداث شغب واعتراضات سياسية أدّت إلى اضطرار كنج للانضمام إلى فريق النجمة غريم الراسينغ التقليدي مستفيداً من حلّ التواقيع الذي كان يحصل كل سنتين، وفي العام 1961 وجد كنج نفسه عائداً إلى بيته الأول مع وعود بتوظيفه وهو الذي كان يستعدّ للزواج، وبالفعل ساعدته إدارة النادي الأبيض على التوظّف في البنك الأهلي فسارع الى الارتباط برفيقة الدرب وفيقة أسعد التي كانت تعمل في بنك سورية ولبنان، ومن منطلق قناعاته وتأثره بواقعه الاجتماعي طلب منها ترك الوظيفة والتفرّغ للاهتمام بشؤون المنزل فنزلت عند رغبته وراحت تواكبه في الملاعب فكانت المشجّعة والمتفاعلة مع مجريات المباريات.
نص بطل = نص فريق
في العام 1965 أحرز الراسينغ بطولته الثانية بعدما سجّل كنج في آخر مباريات الدوري هدفاً حاسماً من مسافة بعيدة، ويومها عنونت الصحف «فوزي كنج نص بطل» باعتبار أن جهوده تساوي جهود نصف فريق، فيما يرى مقرّبون منه بأنّه لقّب «نص بطل» كان يطلق عليه في الشياح قبل التحاقه بالراسينغ لكونه كان مربوع القامة وسريعاً وهدّافاً من طراز نادر، ودون النظر الى معرفة أسباب إطلاق هذا اللقب عليه فالكل يعرف فوزي كنج ويعرّفه بـ «نص بطل»، وواصل اللاعب الموهوب مسيرته مع سندباد الكرة اللبنانية وخلال سفراته تلقّى عرضين للاحتراف في الكويت والسعودية، ومن ثم في المانيا بعدما شاهده مدرب الفريق الألماني في الصين (1967)، وفي العام 1970 شارك كنج في آخر موسم كروي وهو في سن الـ 35 وجاءت الخاتمة كما تمنّاها بطولة ثالثة للراسينغ، وبذلك يكون في سجلات الفريق الأبيض ثلاث بطولات شارك في إحرازها فوزي كنج بفعالية كبيرة، وفي حديث سابق له حول نظرته إلى الراسينغ قال: «كان يمثّل كل لبنان وكانت إدارته مترفّعة عن التعاطي الطائفي وآلمني أن يسقط الى مصاف الدرجة الثانية أكثر من مرة وأتمنى له البقاء في الواجهة الكروية المحلية».
المدرّب والموجّه
قلما تجد لاعباً في الشياح إلا وغرف من معين فوزي كنج، أكان عبر النصيحة أو التوجيه، وهنا لا بدّ من الاشارة الى توجّه فوزي كنج الى ميدان التدريب بعد اعتزاله اللعب في العام 1970، فهو ظلّ على تماس مع المواسم المحلية متابعاً ومراقباً حتى أواخر الثمانينيات، ومن الفرق التي أمسك بدفتها الفنية نذكر فريق شباب الساحل وفريق الوفاء الغبيري وفريق الراسينغ على فترات متقطعة بالاضافة الى فريق المصرف الذي كان يعمل به (الأهلي ثم عودة)، أما في وصيته الكروية فقد طلب من اللاعبين: «احترام المباريات بكل جوانبها والالتزام بتعليمات المدرّبين والتعامل بجدية مع الفريق الخصم والتحلّي داخل الملعب وخارجه بالتواضع»… كما حذّرهم من السهر والاعتراض على قرارات الحكام وناشد المدافعين عدم اللجوء الى الخشونة المتعمّدة في مواجهة المهاجمين وخصوصاً الموهوبين منهم، وناشد القيّمين على اللعبة في لبنان وضع قوانين تتيح للاعبين الانتقال بعيداً عن سياسة الاحتكار التي تنتهجها الأندية مع لاعبيها … ليختم مذكّراً: «كنا نلعب للقميص وليس للمال». وهنا نشير إلى توجيه ودعم ابن شقيقه منير الحارس الراحل وسام كنج (توفّى في شباط 2020) للعب بداية مع التضامن ثم الأنصار وصولاً الى الراسينغ، وحالياً يكمل هادي وسام كنج مسيرة العائلة الكروية مع نادي الأنصار ومنتخب لبنان.
شاهد المباراة ومات!
« في ذلك اليوم.. كان فوزي في أبهى صورة.. مشرقاً مبتسماً… قام بعدّة زيارات نهاراً وعند المساء فتّش عن مباراة يتابعها عبر التلفاز.. وبسرعة حدّدها وجلس مع ابن شقيقته رياض حتى منتصف الليل.. بعد ذلك ذهب رياض مودّعاً خاله… وبعد نصف ساعة من نهاية المباراة فارق فوزي الحياة… وقبل يوم واحد قال لحفيده علي… أتمنى أن أراك لاعباً مميزاً… بشرط الانتباه لمستقبلك».. كلمات قالتها زوجته الصابرة «أم جميل» مسترجعة شريط الماضي القريب عن أقرب الناس الى قلبها وأب أولادها الخمسة جميل وعبد وندى ولينا وميرنا .. ثم أضافت «لم يزل طيفه يحيط بنا. كيف ننساه وهو الخلوق والعطوف وصاحب الطلة البهيّة.. رحمك الله يا فوزي واسكنك فسيح جناته».
عبق الذكريات
ـ خلال مباراة جمعت الراسينغ مع هومنمن على ملعب الشبيبة المزرعة اصطدم مارديك بفوزي في كرة عالية وكانت النتيجة جرح بليغ في رأس الأخير، فهرعت أم جميل ناحيته طالبة منه التوجه الى المستشفى لكنه واصل متحاملاً على الألم وانتهت النتيجة لمصلحة فريقه، ومن يومها توطدت الصحبة بين اللاعبين البارزين.
ـ كان يتابع مباريات كرة القدم عبر التلفاز، وهو من مشجعي اللعب الحلو والأداء النظيف، عالمياً يشجّع المنتخب الالماني، وحضر ميدانياً بعض مباريات مونديال 2006 في المانيا، حيث كان يزور ابنته.
ـ شجّع ابنه جميل على اللعب فانضم الأخير الى صفوف «نادي العائلي» لكنه لم يكمل، فيما ابنه عبد الكريم ظل بعيداً عن الملاعب، الى أن جاء الفرج مع علي عبد الكريم كنج الذي تنبئ له جده بمستقبل باهر.
بطاقة تعريف
ـ الاسم : فوزي جميل كنج.
ـ تاريخ ومحل الولادة: الشياح 1935.
ـ الوضع الاجتماعي: متأهل من وفيقة اسعد وله منها 5 أولاد هم جميل وعبد الكريم وندى ولينا وميرنا.
ـ الفرق التي لعب معها: النسور الشياح، الإخاء حارة حريك، الراسينغ والنجمة.
ـ إنجازاته: لعب مع منتخب لبنان 14 سنة وودّع الملاعب بلا مباراة اعتزال، إحراز بطولة لبنان مع الراسينغ 3 مرات.
ـ مركزه في الملعب: مهاجم من طراز مناور وهدّاف.