اتفاق الطائف ومّن يريد تغييره؟
يبدو أن الاستعصاء الرئاسي القائم تكفل بكشف المواقف الحقيقية للأطراف السياسية من اتفاق الطائف، بعدما كان الحديث عن التمسك بالاتفاق لازمة سياسية تتكرّر من خصوم المقاومة، للإيحاء للسعودية بصفتها مَن قام برعاية الاتفاق أنهم يخوضون معركة الدفاع عنه، عساهم يحظون بالمزيد من الدعم. والواضح منذ الاتفاق السعودي الإيراني، وتراجع فرصة التحريض المذهبي، ان المراهنين على استخدام المتراس السعودي بوجه المقاومة وبوجه سورية، قد فقدوا إحدى أبرز أوراقهم، فبدأوا يخرجون ما كان مخفياً من نيات للانقلاب على اتفاق الطائف.
الواضح أيضاً أن الأزمة التي كشف عنها الاستعصاء الرئاسي فتحت الباب للبحث بأزمة النظام، وتأكيد الحاجة الملحّة لتطويره. وهذا يعني تطبيق ما تبقى من إصلاحات الطائف، وخصوصاً السير بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، والسير بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ، وتطبيق اللامركزية الإدارية بعد إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية بصورة تضمن العيش المشترك، فبدأوا يجاهرون بأن اتفاق الطائف لم يعد صالحاً.
لعلها من المفارقات اللافتة أن الذين كانوا يرون أن التمسك بالطائف يعني التمسك بمعادلتين رئيسيتين مهمتين، هما أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، والتوقف عن التعداد الطائفي على قاعدة الصيغة التي تضمنها اتفاق الطائف للرئاسات وتوزيعها من جهة، ومجلس النواب سواء في صيغته المؤقتة عبر المناصفة، أو بصيغته النهائية عبر المجلسين، هؤلاء باتوا يعتبرون اليوم أن الطائف لم يعد صالحاً، وهم يتبنّون صيغة اللامركزية بصورة تعتمد التوزيع الطائفي فتفتح الباب نحو تفكيك وحدة الكيان السياسي ودولته الواحدة، أو يدعمون تحت الطاولة أصواتاً تنادي بالفدرالية، او يهددون في حال فشل مشروعهم الرئاسي بإعادة النظر بكل صيغة النظام السياسي، من خارج السلة التي رسمها اتفاق الطائف.
الشيء المشترك بين الجميع اليوم، هو أن الصيغة المؤقتة لاتفاق الطائف لم تعُد قادرة على الاستمرار، وأن الخيار هو بين المضي قدماً بما نص عليه الطائف من إصلاحات تمثل خروجاً تدريجياً سلساً من الصيغة الطائفية المريضة نحو الحفاظ على بعض لا يؤذي من الطائفية ويكفي لتحقيق اطمئنان الطوائف، أو الخروج من الطائف كلياً، وهو لن يكون خروجاً من صيغة لوطن ودولة نحو صيغة أخرى لهما، بل خروج فعلي من فكرة وطن ودولة إلى مشروع أوطان ودول.
ليس غريباً أن يكون صوت القوى الداعمة للمقاومة هو الصوت الأعلى للتمسك باتفاق الطائف، لأنه نابع من الخلفية ذاتها المتمسكة بالوطن، الذي كان ولا يزال بالنسبة للبعض، مطلباً إذا سيطروا على مقدراته وهيمنوا عليه، وعندما يتعذّر عليهم ذلك يستبدلون الفيتو بالغيتو.
التعليق السياسي