هل كان تمرّد “فاغنر” كمينا نصبه بوتين للناتو؟
ناصر قنديل
الإعلان عشية انعقاد قمة الناتو، في ليتوانيا الواقعة على حدود بيلاروسيا حيث قيل إن قوات فاغنر تتمركز، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد استقبل قبل عشرة أيام رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، ليس خبراً عادياً؛ فالخبر يعني أن الاستقبال تمّ بعد أيام قليلة من التمرد، وهو وقت غير كافٍ لزوال الآثار النفسية للجرح الذي يفترض أن التمرّد تسبب به بين بوتين وطبّاخه السابق، ويفتح الباب لأسئلة من نوع هل كان فعلاً هناك تمرّد؟ وكيف جرى أن قرار بوتين كان بالعفو عن المتمردين، سريعاً، ومثله قرار استقبال بريغوجين سريعاً، ومغزى الإعلان عن الاستقبال بعد حدوثه بأكثر من عشرة أيام للقول إن فاغنر برئيسها وقيادتها أكدوا الولاء لبوتين؟ وهل لهذا التوقيت صلة بانعقاد قمة الناتو؟
الأكيد أن هناك ألغازاً لم يتمّ فكها في تمرد فاغنر، منها ما صدر عن حكومات الغرب من لغة شامتة لا تخلو من الرهان على الفوضى التي سوف تعم روسيا، وتفكك النظام والدولة في روسيا، وما مدى علاقته بما هو أكثر من رهان، خصوصاً أن خطاب بريغوجين المرافق للتمرّد أوحى بتنسيق مع الغرب، لجهة القول بأن قرار الحرب على أوكرانيا بني على أكاذيب، وكان السؤال في لحظة اندفاع أرتال من آليات فاغنر نحو موسكو بسرعة، كيف تركت هذه الأرتال تتقدّم، وهل السبب ثغرة في جدار الأمن الروسي، وهل يعقل لدولة مثل روسيا يقودها رجل أمن محترف أن تقع بمثل هذا الخطأ القاتل، ثم هل يمكن لعسكري محترف مثل بريغوجين أن يندفع بقواته طول هذه المسافة نحو موسكو ما لم يكن على تنسيق مع جماعات وقيادات داخل موسكو سوف تقوم في التوقيت المناسب بملاقاته بخطة عمليات للسيطرة على العاصمة ومقاليد الحكم فيها، وكيف جاءت صحوة الضمير لدى بريغوجين وهو قرب موسكو ليعلن القبول بتسوية تنتهي بنفيه، فقط لأنه لا يريد سفك الدماء؟
ثمّة رواية كانت قابلة للتصديق عن أن بريغوجين كان ضمن خطة مؤامرة مع دول الغرب، تقول بالتمرد وتزامنه مع تحريك جماعات منظمة ضمن خطة المخابرات الغربية للقيام بالفوضى اللازمة في موسكو، وفتح الطريق للقيادات الروسية المتواطئة مع الغرب لتنفيذ خطة انقلاب في موسكو، وأن بوتين وأجهزته اللصيقة تمكنوا من فضح الخطة والمتورطين فيها، ففتحوا الطريق أمام أرتال فاغنر دون مواجهة، باعتبار أن التحرك في موسكو لن يبدأ الا عندما تصل قوات فاغنر الى مسافة قريبة، وعندما حدث ذلك أطبق الأمن الروسي على كل المتورطين، ففشلت العملية وأحبط بريغوجين فرضخ واستسلم وقبل شروط الاستسلام، بحل مجموعته والتخلي عن قيادتها، والذهاب إلى المنفى، لكن شرط هذه الرواية هو أن يكون بريغوجين بنظر بوتين مجرد خائن وعميل، وأنه قبل على مضض أن يستقبله صديقه رئيس بيلاروسيا، لكنه لا يمكن أن يراه مرة أخرى، ولو بعد مئة عام، فكيف يستقبله بعد خمسة أيام وينشر خبراً عن ولائه؟
استقبال بوتين السريع والودي لبريغوجين، وصيغة الإعلان عنه، لا ينسفان كل الرواية بل يصححان بعض مفاصلها، فهذا يعني أن بوتين ومخابراته كانوا على علم بالخطة، من بريغوجين نفسه، الذي أحاط بوتين لحظة بلحظة بتطور اتصالاته بالغرب ومخابراته، وتلقى منه التوجيه بمواظبة الاتصال، وصولاً لتقديم الوعود بتنفيذ التمرد، ووضع الطلبات الموازية لضمان نجاح الخطة وصولاً للانقلاب، بما يتيح كشف الجماعات المرتبطة بالمخابرات الغربية في موسكو، من قيادات في مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية، إلى جماعات ومنظمات مجتمع مدنيّ سيوكل إليها التحرك في الشارع ونشر الفوضى، وكان الأمر بمثابة كمين نصبه بوتين للغرب ونفّذ بريغوجين الشق الخاص به، والتقيا بعد النجاح بإحباط المؤامرة يتبادلان أنخاب النصر، وخرج الخبر عن الاستقبال عشية قمة الناتو ليردّ الشماتة الغربية بشماتة أشد منها، تقول إن الهجوم الثاني بعد العقوبات، لم يكن هجوماً عسكرياً أوكرانياً بل مشروع انقلاب في موسكو يبدأ بتمرد فاغنر، وإن روسيا كما أحبطت سلاح العقوبات، أحبطت سلاح الانقلاب، و«تخبزوا بالافراح”.