إلى أن تمرّ الأزمة لك الله يا مواطن…
} منجد شريف
يتسمّر الواقع السياسي في لبنان مكانه، فلا حلول متوخاة على مستوى الواقع الاقتصادي، الذي أمعنت فيه قوى الفساد تخريباً طيلة عقود، ولا شك أنّ الفساد كان ظاهراً للعيان، ولم تحرك الدول التي تتباكى علينا اليوم ساكناً من أجل منعه أو بالحدّ الأدنى كبحه بل كان هناك شيك على بياض لمزيد من الاستدانة، ليكون هناك مزيد من الفساد لنصل إلى ما وصلنا اليه من انهيار وليتمّ تصريفه في الاستثمار السياسي.
صار الانهيار مألوفاً، ولم يتخذ حتى اليوم أيّ خطوة أو قرار في سياق إدارة الأزمة، والأزمة أنتجت الكثير من الإشكاليات لا سيما بين المالكين والمستأجرين، ففي الوقت الذي تبخرت فيه كامل القيمة الشرائية لليرة، دولر المالكون بدل إيجاراتهم، ومن لا يستطيع التسديد بالدولار تتمّ مقاضاته أمام قضاء العجلة من أجل إخلائه، وهنا تطرح الأسئلة نفسها، هل البلاد في حال طبيعية؟
كيف يفتح قضاء العجلة أمام دعاوى كهذه؟
والكلّ يعلم أن هذه الأزمة التي ترزح تحتها غالبية الشعب اللبناني، هي الأولى من نوعها في العالم أجمع، والسؤال هنا: بإسم ايّ شعب ستلفظ تلك الاحكام، بالإخلاء؟
وتتنقل مفاعيل الأزمة لتطال كلّ النواحي، والمؤلم في ذلك أنّ من تسبّبوا بها من سياسيين ومصرفيين، يعيشون طمأنينتهم المادية، في الوقت الذي تعاني فيه الغالبية من الشعب المظلوم من الضائقة الإقتصادية، في ظلّ غياب تامّ لدور الدولة الرعائي، طالت الأزمة كلّ قطاعات الدولة، ولم يتبرّع ايّ من الذين أثروا على حساب هذه الدولة بإيجاد الحلول اللازمة في أزمة كهذه لحماية المواطن في لقمة عيشه ومسكنه وطبابته وفي تعليم أبنائه وهذه هي أبسط واجبات الدولة إزاء رعاياها.
عن أي دولة نتحدث وهي مشلولة من أعلى الهرم إلى أسفله، ربما هذا هو المطلوب للانقضاض عليها وعلى ما يشكله مكوّن منها من تهديد وجودي للعدو الإسرائيلي الغاشم، لكن أليس حريّ بنا والحال هكذا، أن نحمي المواطن أولاً ونضمن استمرارية المؤسسات للقيام بدورها المطلوب وعلى كلّ الصعد، المعيشية والصحية والتربوية كي نفوّت الفرصة على من يريد تأليب الرأي العام في خياراته القومية والدينية!
فلا يجدر أن يموت الآلاف على أبواب المستشفيات لأنهم عاجزون عن تسديد ما يتوجب عليهم، بينما الدولة في خبر كان، والحال التربوي ومستقبل السلامة الصحية ليس أشفى حالاً، فأين خلية الأزمة التي تعنى في تفنيد ما نتج عن الانهيار الاقتصادي وما انعكس منها على حياة الغالبية من المواطنين في كلّ نواحي حياتهم وخاصة في مأكلهم ومسكنهم وتعليمهم وطبابتهم، هل هي معجزة أن تعلق المهل القانونية في العقود الحرة إلى حين الاستقرار النقدي والإعلان عن انتهاء الأزمة؟
هل هناك صعوبة في إيجاد جهات مانحة ولو من تحت الطاولة لدعم الطبابة والتعليم؟
أليس في أرصدة من أثروا طيلة عقود على حساب الدولة والمواطن ما يكفي للاستغناء عن بعض منها وجعلها في رصيد خاص لرفد كلّ المؤسسات المتعثرة في مهمتها ووظائفها؟
ماذا ينتظر أهل السلطة؟
أو ربما وصلتهم تعويذة السيّئ الذكر الذي سُمّي «الحاكم» والذي صرنا نربأ عن ذكره لما تسبّب به من خداع لشعب برمّته، وربما الأوْلى بنا أن نلوم أنفسنا بأننا لم نقف وقفة رجل واحد لنقتلع ذلك المخرّب ببدعه المالية من منصبه ولو عنوة ولو بمحاصرة كلّ أمكنة تواجده، فها هو يسرح ويمرح وأكثر من ذلك يتردّد حديث عن التمديد له بحجج مضحكة، ربما على قاعدة «اللي شبكنا يخلصنا»!
مؤسف ما وصلت اليه البلاد، لأننا نعيش في حال انكشاف تامّ وانعدام لدور الدولة إلا في حدود ضيقة، وإن كنا لا ندين مطاردة المخلين بالأمن وكلّ المطلوبين، لكن أليس حال الدولة المترهّل هو من أوصل أولئك ليكونوا في هذا المكان؟
كيف يميّز الجائع بين المنطق والضلال في ظلّ أمعائه الخاوية؟
وأمام كلّ ذلك لا تزال المراوحة السياسية في مكانها من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، وكلنا نعلم أنّ كلّ هذا المخاض والأخذ والردّ لا يقدّم ولا يؤخر شيئاً، فالرئيس اللبناني لم يكن يوماً صناعة لبنانية، هو عبارة عن قطع متناثرة في مراكز القرار يتمّ تجميعها في لبنان ومن ثم تجري العملية الفنية للانتخابات الرئاسية، فلا جولات المبعوث الفرنسي لودريان ولا الطاولة المرتقبة للحوار ولا ايّ من كلّ ذلك سينتج لنا رئيساً…
وحدها الاتفاقات الدولية للدول المؤثرة هي من ستنتج لنا رئيساً، وحتى حينها سيكون المواطن هو الدولة والمواطن على حدّ سواء، وسيواجه كلّ شخص بمفرده كلّ ما نتج عن تلك الأزمة وفي كلّ مناحي حياته، وعندما يؤذن للدولة أن تعود إلى دورها الفاعل يكون عندها كلّ مواطن قد نال نصيبه السيّئ منها، وربما هناك من نالوا وما زالوا نصيبهم الطيب والمعروفين بتجار الأزمات فويل لكلّ من تاجَر بالأزمة لأنّ عدالة السماء ستنال منه قبل عدالة الأرض، فإلى أن تعود الدولة وتنتهي الأزمة لك الله يا مواطن…