لبنان سوق رائجة في الإعلام والسياسة لممتهني قراءة الكفّ والفنجان
} خضر رسلان
تميّز لبنان منذ القدم بخصائص ومميزات تزخر بها كتب التاريخ إضافةً إلى الكثير من الدراسات والأبحاث التي تحدثت عنها. الا أنه من الثابت وجود عدد من السمات التي تميّز بها لبنان والشعب اللبناني والتي تناولها الكتاب والمختصون والعامة كلّ من حيث اهتماماته وحاجاته؛ فمنهم من اعتبره متميّزاً بموقعه الجغرافي بجباله وشواطئه وأنهاره وطقسه المعتدل، ومنهم من تحدّث عن تميّزه الحضاري بدءاً من الكنعانيين، مروراً بالفينيقيين، والبابليين وصولاً الى الحضارة الإسلامية الى العلامات الفارقة التي يشير ذكرها الى لبنان كحال شجرة الأرز المتجذرة في التاريخ، وثقافة جبران خليل جبران وتراتيل فيروز التي غنّت القدس وأسوارة عروس الجنوب، والذي أصبح برجاله ومقاومته التي شارك فيها معظم أحرار الشعب اللبناني، العلامة المتميّزة التي وسمت ولا تزال اسم لبنان المحرّر المتوثب لردّ كلّ الاعتداءات الإسرائيلية على ارضه وشعبه.
رغم التميّز اللبناني في العديد من الحقول والميادين فقد أصبح من الفوارق والإبداعات التي بات يتميّز بها على الكثير من أقرانه هو وجود الكمّ الهائل من الإعلاميين والكتاب والمحللين السياسيين الذين أصبحت قراءاتهم جاذبة، حالهم حال المنجّمين وقارئي عالم الفلك والأبراج بل لقد تفوّقوا عليهم بأشواط كثيرة. ورغم العنصر المشترك بين الجهتين في الكثير من الأحيان فإنهم يتزوّدون بالقراءات الفلكية وتوقع الأحداث الجهنمية والفتنوية من مصادر واحدة تقودها أجهزة مخابرات محلية ودولية تستعملهم أدوات سهلة لتمرير أهدافهم. إلا أنّ ما يتمايز بها الطرفان أمرين أساسيّين هما:
الذين يقرأون الأفلاك والأبراج من المنجّمين يصدرون أرقاماً وتوقعات لأحداث متنوّعة عامة تشمل مختلف الأطياف والكيانات، بينما في المقلب الآخر هناك مَن يقرأون الكفّ والفنجان من المحللين والإعلاميين المنجّمين الذين يقرأون في الكثير من الأحيان في كتاب حزب الله حصراً ومنها على سبيل المثال لا الحصر التالي:
1 ـ حزب الله والطائف وتركيبة النظام
عكف قراء الكفّ والفنجان من إعلاميين وساسة على تكرار السيمفونية واللازمة التي درجوا عليها والتي تصرّ على انّ حزب الله يسعى لهدم التركيبة الحالية وتغيير النظام وإلغاء المناصفة وإقرار المثالثة، ورغم انّ العديد من موفدي الدول ذات النفوذ يلتقون قيادات من الحزب ولم يسمعوا منهم البتة أيّ حديث عن النية في المسّ بوثيقة الوفاق الوطني او غيرها مما تسالم عليه اللبنانيون، بل بالعكس؛ فقد وجد هؤلاء الموفدون صدّاً من حزب لأيّ حديث في هذا الشأن. رغم ذلك يتنطح الكثير من قارئي الكفّ والفنجان من إعلاميين وسياسيين الى اجتراح تقارير واختراع وقائع والغوص في تفاصيل لا أساس لها لا من قريب او بعيد.
2 ـ حزب الله وأحداث القرنة السوداء:
عناوين جرت على ألسن الكثيرين من مرتزقي الأوراق الخضراء وأيتام جيفري فيلتمان الذي تولى رعايتهم على أن يجيدوا قراءة الكفّ الموجه ضدّ حزب الله في كلّ شاردة وواردة على غرار ما حصل الأسبوع الماضي في الأحداث التي أدّت الى مقتل شابين لبنانيين في منطقة القرنة السوداء حيث تنطح هؤلاء بالحديث عن قناصة ومحترفين. ورغم انّ التوتر بين المنطقتين بسبب المياه يعود الى عشرات السنين فقد انبرى هولاء للتصويب على حزب الله وسرايا المقاومة، والأبرز في هؤلاء من ادّعى للدلالة على مسؤولية المقاومة انّ سلاح القناص من الأسلحة المتطورة التي لا يملكها إلا جهات محترفة. وبعد صدور تحقيقات الجيش الذي وضع الأمور في نصابها وجزم بأنه إشكال مناطقي غير سياسي، سكتوا وكأنه على رؤوسهم الطير، على ان ينفضوا أغطيتهم والانقضاض من جديد عند بروز ايّ فرصة تتيح النفخ في بوق الفتنه مجدداً.
3 ـ حزب الله واختطاف الشيخ الرفاعي
تميّزت قضية اختطاف الشيخ المغدور أحمد الرفاعي بأنها ضمّت خليطاً من قارئي الكفّ، فضمّت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم لقب “ثوار” كانوا حدّدوا الخاطفين وأطلقوا الأحكام منذ اليوم الأول، مع الغمز من القناة المذهبية بالتقاطع مع قراءات قارئي الكفّ لعدد من النواب والوزراء السابقين ورؤساء أحزاب وسياسيين طارئين وإعلاميين وناشطين على هامش المنصات الافتراضية، فقد سارعوا لرمي الاتهامات جزافاً، على جهة واحدة… حزب الله. ولولا سرعة الأجهزة الأمنية بكشف ملابسات الجريمة لكان لبنان أمام منعطف خطير عنوانه الفتنة المذهبية المغمسة بكثير من التحريض السياسي.
الى هذه الشواهد الثلاثة التي هناك الكثير مثلها من الحوادث والأخبار والتصريحات اليومية التي تمرّ رغم حساسيتها وخطورتها ويطويها النسيان دون رقيب او حسيب يبرز الى الواجهة قراء كف سياسي من نوع آخر ويتصدّره كتّاب ومحللون وإعلاميون وسياسيون يعتبرون أنفسهم من الصف الأول حيث يتناولون مضمون اللقاءات الداخلية الخاصة التي تجري على مستوى رفيع سواء لقاء رؤساء دول او موفدين دوليين أو لقاء أقطاب… حيث يتصدّى قرء الكفّ للأمر بحيث يشعر المتابع انه أمام ثالث ثلاثة في حال اللقاءات الثنائية وتصاغ المضامين المتناقضة للقاء نفسه، كلّ حسب الفنجان الذي يقرأ فيه وخلفياته سواء منها المخابراتية او السياسية والأنكى منها الشخصية والعنصرية.
بناء على ما تقدّم أعلاه فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل من الطبيعي تحت عناوين الحرية وإبداء الرأي إطلاق المواقف وتحرير التقارير الإخبارية من دون ضابطة او معيار ان يعاقب من يرتكب جنحة او عملاً شائناً ارتداداته شخصية وفردية لا تمسّ المجتمع في أغلب الأحيان ويترك في الوقت نفسه الحبل على غاربه لقراء الكفّ من سياسيين وإعلاميين يطلقون المواقف والخطب والبيانات التي تتضمّن اتهامات وافتراءات يمكن ان ينتج عنها اهتزازات وفتن تهدّد السلم الأهلي والأمن والاستقرار والوئام الاجتماعي؟
سؤال هو لسان حال معظم اللبنانين ويبدو انهم سينتظرون طويلاً للحصول على اجابة.
حمى الله لبنان من صناع الفتن… فالفتنة أشدّ من القتل.