زيلنسكي في ضيافة أردوغان… ماذا يُخطط الأخير؟
} د. حسن مرهج*
فلوديمير زيلنسكي في ضيافة رجب طيب أردوغان. هو خبر قد يكون مفاجئاً للبعض، في حال النظر الى سياق العلاقات الروسية التركية، ولكن كما العادة فإنّ نهج أردوغان السياسي، يُتيح له اللعب على المتناقضات بمستوياتها كافة، كما أنّ توقيت زيارة زيلنسكي، يُتيح لنا أيضاً فهم مجريات الأمور بعناوينها الدولية، وتحديداً في ما يتعلق برغبات أردوغان لجهة حلف الناتو، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والأهمّ نوايا أردوغان لجهة العديد من الملفات الإقليمية، ورغبته بتطويع استقبال زيلنسكي واستثمار ذلك، على أعتبار أنّ الأخير حليف واشنطن والغرب.
زيارة زيلنسكي جاءت بعد ما سُمّي الهجوم الأوكراني المضاد ضدّ القوات الروسية، والذي لم يحقق أيّ نتائج ميدانية، وكذلك بعد تمرّد فاغنر وإنهاء هذا التمرّد في حينه، وبالتالي ثمة مُعطى يمكن البناء عليه في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، يتعلق بوساطة أردوغان لجهة إيقاف هذه الحرب، وربما الضغط على بوتين لاجباره على الجلوس على طاولة المفاوضات مع الجانب الأوكراني.
في السياق ذاته، ذكرت تقارير تركية وأوكرانية، أنّ مسألة تمديد اتفاقية تصدير الحبوب على رأس جدول أعمال الزيارة. ذلك أنّ الاتفاق الحالي ساري المفعول حتى السابع عشر من الشهر الحالي، وفي حين ترغب أنقرة في تمديده مجدداً وتؤيد كييف ذلك، إلا أنّ التصريحات الصادرة عن موسكو تظهر عدم حماس الأخيرة لتمديده وتحمّل الدول الغربية مسؤولية ذلك وما يترتب عليه، متهمة إياها بعدم التطبيق الدقيق له خصوصاً ما يخصّ حقوق روسيا وتصديرها منتجاتها الزراعية والغذائية.
بصرف النظر عما سبق، فإنه وبالنسبة للرئيس الأوكراني، فإنّ دعوة أردوغان لزيارته، هي فرصة سياسية لا يمكن تعويضها، وهي مناسبة أيضاً لاستثمار هذه الزيارة في سياق الحرب مع روسيا، من هنا يبدو واضحاً أنّ زيلنسكي تفاخر باستلام ضباط كتيبة أوزوف، وأطلق تصريحات معادية لروسيا، بالتزامن مع غياب أيّ تعليق تركي على مسألة استلام ضباط كتيبة أوزوف، وعليه يبدو واضحاً أنّ الرئيس الأوكراني سعى لتسجيل إنجاز كرسالة لروسيا، لا سيما في ظلّ العلاقات الجيدة للأخيرة مع تركيا رغم الحرب.
في جانب آخر، فإنّ أردوغان أيضاً يسعى لتسجيل نقاط سياسية يمكن استثمارها إقليمياً ودولياً، لا سيما أنّ هناك ضغوطات غريبة على أردوغان، نتيجة موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية، والعلاقات مع بوتين، إذ رغم إعلان تركيا مراراً دعمها لوحدة الأراضي الأوكرانية، والوقوف إلى جانب كييف، إلا أنها لم تنخرط في العقوبات الغربية على روسيا واستمرت بعلاقات جيدة معها؛ خوّلتها لاحقاً لعب دور الوساطة وتحقيق اختراقات من قبيل اتفاق تبادل الأسرى وقبله اتفاق تصدير الحبوب.
تركيا أيضاً لم تُبدِ موافقتها على انضمام السويد إلى حلف الناتو، لكن ثمة أنباء تحدثت عن موافقة تركيا على انضمام السويد، من هنا يمكن فهم تصريح الرئيس التركي خلال الزيارة حول استحقاق أوكرانيا لعضوية الناتو، كتأكيد إضافي ومتكرّر على أنّ بلاده لا تقف ضدّ سياسة توسيع الناتو ولا هي ضدّ السويد بشكل مطلق، بل الأمر مرتبط بمدى تجاوب الأخيرة مع مطالبها.
واقع الحال يؤكد بأنّ غاية أردوغان من استقبال زيلنسكي، وموافقته على انضمام السويد إلى حلف الناتو، وتوسطه في ما يتعلق باتفاق الحبوب، فإنّ كلّ ذلك يأتي ضمن المناورات الأردوغانية، لتخفيف الضغوط عن أنقرة، وتحديداً في ظلّ انهيار متسارع لقيمة الليرة التركية أمام الدولار، لكن يبقى هناك تساؤلات يؤطر نوايا أردوغان وسياساته، فهل سيحصل تدهور في العلاقات التركية الروسية؟ أم أنّ هناك تغييرات في الموقف التركي من الحرب الروسية الأوكرانية؟ هي تساؤلات غاية في الأهمية والأيام القادمة ستكون كفيلة بالإجابة عنها.
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية