معادلة كاريش سوف تحكم المنطقة للمرحلة المقبلة
ناصر قنديل
عندما تسلّم بنيامين نتنياهو رئاسة حكومة كيان الاحتلال وأعلن أنه سوف يلتزم بنتائج الوساطة الأميركية في ترسيم الحدود البحريّة، بخلاف تهديده يوم كان في المعارضة بالانسحاب من الاتفاق، إذا تسلم رئاسة الحكومة، وإعادته الالتزام إلى ما أسماه مصالح “إسرائيل” العليا وتحقيق مقتضيات “الأمن القومي”، تحقق الإجماع في الكيان على التسليم بالمعادلة التي أنتجت الترسيم، والمعروفة بمعادلة كاريش التي تعرّضت لاختبار الطائرات المسيرة للمقاومة، وقالت إن المقاومة جاهزة للمخاطرة بالحرب إذا لم توافق قيادة الكيان على الشروط اللبنانية، وجاءت النصائح الأميركية بالقبول، تفادياً لهذا الانزلاق نحو الحرب، كما قال الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين علناً.
الإجماع السياسي والعسكري في الكيان ومن خلفه الدعم الأميركي لهذا الإجماع، نقطة تحوّل كبرى في تاريخ الصراع بين الكيان والمقاومة. وهذا الكلام الذي قاله قادة عسكريون سابقون كبار في جيش الاحتلال، بمن فيهم رؤساء أجهزة المخابرات، الذين اعتبروا أن معادلة كاريش ليست بحريّة، بل هي تعبير عن إرادة وقدرة تتفوق بها قيادة المقاومة بخوض المجازفة بالذهاب إلى الحرب، لا يملك الكيان مثلها، رغم الصراخ السياسي، لا على مستوى القدرة ولا على مستوى الإرادة، وأن معادلة كاريش تمثل من جهة هذا العامل، ومقابله عامل الاستعداد لوضعه في خدمة ما تعتبره المقاومة حقوقاً لبنانية، عندما تحظى بالتأييد من الدولة وتنال الغطاء السياسي الداخلي. وقد حذر هؤلاء العسكريون في الكيان يومها من أن يوماً غير بعيد سوف يحمل للكيان تحديات مماثلة في ظروف أشدّ قسوة وصعوبة تتصل بنقل معادلة كاريش الى البرّ، سواء في النقاط المختلف عليها مع رسم الخط الأزرق، أو في منطقة الغجر، وصولاً الى مزارع شبعا، وليس خافياً أن هذا الكلام كان موضع عناية القيادتين السياسية والعسكرية للكيان على قاعدة القلق والسعي لتفادي بلوغ هذه اللحظة.
الواضح إذن، ورغم تشكيك البعض في الداخل بموقف المقاومة، وقد حاول البعض بخلفية الكيد والنكد والكراهية، تصوير الذي جرى في ترسيم الحدود البحريّة، تخلياً من المقاومة عن موقعها في المواجهة مع الاحتلال، وبدأ الحديث عند البعض عن ترتيبات أمنية وعن تطبيع وعن نهاية زمن المواجهات، ووصل البعض إلى الحديث عن اتفاق إيراني إسرائيلي في الظل وراء ما جرى في البحر. وقد أدارت المقاومة ظهرها لهذه الاتهامات الظالمة، والافتراءات التي تصيب المصالح اللبنانية الوطنية بالأذى، ومثلما كانت قيادة الكيان تعمل ليل نهار لتجاوز معادلة كاريش، كانت قيادة المقاومة تعمل ليل نهار على تثبيتها. وسقط هنا أحد أبرز عناصر القوة التي يسعى إليها كل من الطرفين المتقابلين في أي حرب، وهو عنصر المفاجأة، فصرنا في سباق مكشوف على هدف معروف، سعي في الكيان لتعطيل قدرة وإرادة المقاومة على المجازفة بخوض حرب، والسعي الموازي لنقل امتلاكها الى الضفة الإسرائيلية، لتوفير الحماية اللازمة للمكتسبات التي فرضتها قيادة الكيان على أرض الواقع في البر، قبل أن تنجح قيادة المقاومة في تثبيت معادلة كاريش، أي الحفاظ على عناصر القوة التي توفر الإرادة والقدرة على خوض المجازفة بخوض حرب لفرض انسحاب الاحتلال من النقاط المقرصنة براً، وصولاً لفتح ملف مزارع شبعا.
خلال قرابة السنة خاض كيان الاحتلال حروباً على غزة، صغيرة ومتوسطة، وحرباً على جنين، ودائماً كان يتحدث عن حرب على عدة جبهات، وكانت المقاومة تتحدث عن وحدة الساحات ووحدة الجبهات، ومحور للمقاومة، وعينها على السباق الكامن وراء هذه العناوين منذ معادلة كاريش. وكان كل ما يقوم به الاحتلال من تحصينات وبناء جدران جزءاً من هذا السباق، كما كان كل ما تفعله المقاومة من استعدادات وتوضيع أبراج مراقبة، وصولاً لمناورة العبور، وانتهاء بزرع الخيمة في مزارع شبعا، يمثل الوجه المقابل في السابق.
الواضح اليوم بعد كلام السيد حسن نصرالله، والوقائع التي فرضتها معادلات الخطاب، والنقاش الدائر على شاشات التلفزة في الكيان، أن معادلة كاريش ربحت الجولة، وأنّها في البرّ أقوى، حيث لا حاجة للترسيم، والحدود المعترَف بها دولياً واضحة، وحجم الإجماع اللبناني مشابه لما كان عليه يوم نزاع البحر، مع المنغصات ذاتها. وهذا يعني أن من ريح جولة البحر سوف يربح جولات البر.