ماذا بعد شعارات التقسيم؟
} بهيج حمدان
لم نكن نسمع في عز الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، مثل هذه المفردات الفاقعة في دلالاتها وأبعادها مثل:
ـ التعايش الإسلامي المسيحي كذبة لبنان الكبير؟
ـ لا نريد ان نتحوّل الى مسيحيين ديكور كالأقباط في مصر أو المسيحيين في تونس والجزائر وسورية.
ـ وضعنا الحالي لا يستقيم إلا بالتقسيم.
وغير ذلك من هذه العناوين التي تنذر بتفكك الصيغة اللبنانية، والتي اتخذت منحى جديداً أكثر شططاً بعد حادثة القرنة السوداء!
أنا على سبيل المثال وليس الحصر، ولدت في بيروت وفي محلة المزرعة ونشأت وكبرت مع أبناء محلتي من المسلمين والمسيحيين، وفي محلة المزرعة تجاوز عدد العائلات المسيحية اخوانهم من العائلات الإسلامية، وأذكر جيراننا من آل بدران وبطرس ونصار وزاخر وصليبا والمجدلاني وحبيب وحداد وربيز ونحاس وغيرهم… ونشأنا معاً وتقاسمنا الحياة والمناسبات، وعندما غضب الله على لبنان ووقعت الحرب الأهلية وانتصبت خطوط التماس لم يغادر أيّ من العائلات المزرعانية محلتهم وتقاسموا الحياة مع اخوانهم المسلمين، كما تقاسموا متاعب الحرب جنباً الى جنب من المزرعة الى برج أبي حيدر الى النويري الى المصيطبة .
لا بل لم يشعر المسيحيون في لبنان وسورية بالاضطهاد على مرّ التاريخ وكانوا جزءاً أساسياً من النهضة السياسية والفكرية واللغوية في العالم العربي، وهم بالتأكيد جزء من العالم العربي وليسوا جالية أجنبية، بل هم عرب أقحاح وشركاء ومواطنون كغيرهم من المواطنين.
أما تلك الشعارات والمطالب والعــناوين الخلافية التي نسمعها لا تشبه المسيحيين لا بل تشــكك في عروبتهم وانتمائهم لمواطنيــهم العرب! وهذا لــيس في مصلحتهم أبداً…
ويُذكر التاريخ انّ البطريرك غريغوريوس حداد اشتهر ببعد نظره وقوة بصيرته، كما عُرف بمواقفه الوطنية ونزعته العربية حتى أطلق عليه السوريون لقب «بطريرك العرب».
ويقول التاريخ إنه لما جاء شارل كراين سنة 1919 يستفتي اللبنانيين والسوريين حول مستقبل الحكم فيهما قالوا له: «نحن النصارى الأرثوذوكس في هذا البلد عرب غساسنة تدعونا عروبتنا لنكون يداً واحدة مع أبناء قومنا ومع الدولة العربية الشريفية التي ارتضيناها وقبلناها».
وكان لهذا التصريح الصادق أثره الكبير على مجرى الاستفتاء، حتى انّ شارل كراين اضطر يومئذ الى إرسال برقية الى الرئيس الاميركي ولسون يقول فيها انّ القضية العربية ليست قضية إسلامية كما يدّعي الافرنسيون بل قضية عربية قبل كلّ شيء.
ويُحكى أنه أصيب في أواخر أيامه بمرض في عينيه وشعر بغشاوة تغطي ناظريه، واستدعى أحد كبار الأطباء الذي تولى فحص عينيه بدقة وبعد ان انتهى قال لصاحب الغبطة: لا اكتمك يا سيدي وأنتم ممن تميزون بالحكمة والتقى انّ الإصابة خطيرة وبوجود خطر على بصركم الغالي. فقال البطريرك: الحمد لله على سلامة بصيرتي.
لذلك، ينبغي على مواطنينا المسيحيين ان يدركوا ان هذا الشحن المسموم الذي يدّعي الحرص عليهم ليس في صالحهم في وطن لا يقوم الا بالتكامل ولا يزدهر الا بتنوعه واخلاص أبنائه مسيحيين ومسلمين.